• Click Here to Read Papers about Crescent Visibility and Prayer Times
  • Click Here to see the Crescent World Records

International Astronomical Center

مارا: الفرق بين الهلال و تولد الهلال




حقوق الطبع لهذا البحث محفوظة للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة © 2007

المواد غير قابلة لإعادة النشر دون إذن مسبق


المشروع الإسلامي لرصد الأهلة

 

 

 

 

 

 

 

الفرق بين الهلال  و تولد الهلال

 

 

 

م. محمد شوكت عودة

 

 

 

 

 

 

 

 

تشرين أول 2004

روجع في أيلول 2006


بسم الله الرحمن الرحيم

الفرق بين الهلال  و تولد الهلال

 

 

 

 

* الملخص

تعالج هذه الورقة معنى مصطلح "تولد الهلال" بشكل رئيس، فقد شاع بين عامة الناس أنه مرادف لطور الهلال، في حين أنه في الحقيقة مرادف لطور المحاق، و لذلك اعتمده بعض الفقهاء كمعيار يحدد صحة بداية الأشهر الهجرية، و يتم الإشارة إلى أن طور الهلال هو المعول عليه في تحديد بدايات الأشهر الهجرية و ليس طور المحاق، و تناقش الورقة بعض المعايير المستخدمة لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، و في النهاية يتم التطرق إلى معرفة المقصود بجواز أو عدم جواز استخدام الحسابات الفلكية لتحديد بداية الأشهر الهجرية.

 

 

Abstract

The paper discusses the expression "Tawallod Al-Hilal" (Crescent Birth or New Moon), where it is spread among the people that it means the "Crescent" phase, but it actually means the "Wane" phase, and thus some Islamic scholars adopted it as a basis to determine the beginning of Hejric (Lunar) months. The paper emphasizes that the crescent phase is the needed criterion to begin the Hejric (Lunar) months and not the wane phase. The paper also discusses the different criteria adopted to know the lunar crescent visibility. Lastly it discusses the meaning of using the astronomical calculations to determine the beginning of Hejric (Lunar) months. 

 

 

 

 

 


* المقدمة

 

هل تولـَّدَ الهلال؟ هذا هو السؤال الذي أصبح معيارا لبعض الفقهاء لمعرفة صحة بداية الشهر الهجري من عدمه، فإذا ما علم الفقيه أن تولد الهلال قد حدث قبل غروب الشمس، اعتبر اليوم التالي هو أول الشهر الهجري الجديد بغض النظر عن رؤية الهلال! و حجته بذلك أن الحسابات الفلكية أصبحت دقيقة في وقتنا الحاضر، و حيث أنها أصبحت قادرة على حساب موعد تولد الهلال بدقة، فإنه من الأحرى الاعتماد على هذه الحسابات الفلكية و إهمال رؤية الهلال، و لكن هل يعلم هذا الفقيه المعنى الحقيقيي لمصطلح "تولد الهلال"؟ على الأغلب إن الجواب هو لا!

 

* ما معنى تولـّد الهلال؟

 

يستخدم البعض مصطلح تولد الهلال في غير موضعه، حتى اعتقد عامة الناس و بعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو بداية ظهور الهلال، إلا أن هذا الاعتقاد غير صحيح إطلاقا.

 

فللقمر أطوار (أوجه) هي المحاق و الهلال و التربيع و الأحدب و البدر (انظر الشكل 1)، فتارة نرى جميع قرص القمر مضيئا، و عندها نقول أن القمر في طور البدر، و تارة نرى أن نصفه مضيء فنقول أن القمر في طور التربيع الأول (بداية الشهر) أو التربيع الثاني (نهاية الشهر)، و تارة نرى القمر على شكل قوس جميل فنطلق عليه اسم الهلال، و المرحلة التي ما بين التربيع و البدر تسمى أحدب، أما الطور الذي لا يمكننا رؤيته فيسمى طور المحاق، و هو عكس البدر، فعندها تكون نسبة إضاءة القمر تساوي صفرا % تقريبا، و لا يمكننا رؤية القمر و هو في طور المحاق إلا وقت كسوف الشمس، فحينئذ نلاحظ أن هناك شيئا أسودا قد حجب الشمس، إن هذا الشيء الأسود هو القمر، و قد وقع بين الأرض و الشمس، و لذلك حجب عنا الشمس.

 

و نحن نرى القمر بأطوار مختلفة لأن القمر جرم سماوي مظلم لا يشع بذاته بل يستمد ضياءه من الشمس، و حيث أن القمر عبارة عن كرة، فإن الشمس دائما تضيء نصف القمر، في حين يكون النصف الآخر مظلما، و يعتمد طور القمر الذي نراه من الأرض على موقع نصف القمر المضيء بالنسبة للأرض، فعندما يقع القمر أثناء دورانه حول الأرض ما بين الشمس و الأرض، فإن الشمس تضيء وجه القمر المواجه لها، أما نصف القمر المواجه للأرض فإنه يبدو مظلما تماما، و عندها نقول أن القمر الآن في طور المحاق، و هو ما يسمى أيضا بالاقتران أو الاستسرار، و هو نفسه ما يطلق عليه البعض مصطلح تولد الهلال، إلا أن العديد من الناس يظنون أن تولد الهلال معناه بداية ظهور الهلال، أو أنه انتقال القمر من طور المحاق إلى طور الهلال، إلا أنه في الحقيقية ذروة طور المحاق! و السؤال الذي نطرحه نحن كفلكيين على الفقهاء: هل المعتبر في تحديد بداية الشهر الهجري هو طور المحاق أم طورالهلال؟ قال تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج" (البقرة 189). تبين هذه الآية الكريمة أن المعول علية لتحديد المواقيت و بدايات الأشهر الهجرية هو الهلال و ليس المحاق (الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار)! كما روى الطبراني عن طلق بن علي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إن الله جعل هذه الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا و إذا رأيتموه فأفطروا" ( أخرجه الطبراني في معجمه الكبير 8/397 رقم 8237)، وروى الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "جعل الله الأهلة مواقيت للناس فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" (أخرجه الحاكم في المستدرك 1/423 وأحمد في المسند 4/ 23 والدارقطني في سننه 2/163 وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي).

الشكل رقم (1): يبين هذا الشكل أطوار القمر المختلفة. لاحظ أن للقمر دائما نصف مضيء و نصف مظلم، و تعتمد أطوار القمر بناء على موقع النصف المضيء من قرص القمر بالنسبة للأرض. أشعة الشمس في هذا الشكل قادمة من أسفل. 

* لماذا أقر بعض الفقهاء بصحة بداية الشهر الهجري إذا حدث تولد الهلال قبل غروب الشمس ؟

 

يبدأ اليوم المدني المستخدم في حياتنا اليومية في الساعة 12 ليلا، أما اليوم  الهجري فإنه يبدأ من لحظة غروب الشمس، و اعتقادا من بعض الفقهاء أن معنى تولد الهلال هو انتقال القمر إلى طور الهلال، فقد أقر هؤلاء الفقهاء أنه بما أن القمر قد أصبح في طور الهلال قبل بداية اليوم الهجري فهذا يعني أنه من المقبول شرعا أن يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، إلا أن هذا الاعتقاد قد ربط بداية الشهر الهجري بطور المحاق (تولد الهلال) و ليس طور الهلال! و لهذا فإننا نتمنى على الجهات الفلكية عدم استخدام مصطلح تولد الهلال لما يسببه هذا المصطلح من إرباك، و استخدام مصطلح الاقتران أو المحاق أو الاستسرار.

 

* متى يصبح القمر في طور الهلال ؟

 

بما أن تولد الهلال هو نفسه المحاق، إذا متى ينتقل القمر من طور المحاق إلى طور الهلال ؟ في الحقيقية إن الإجابة على هذا السؤال ليس بالأمر السهل كما قد يعتقد البعض، فالإجابة عليه تحتاج إلى متخصص في موضوع رصد الأهلة، و لإيضاح ذلك لا بد من الإشارة إلى بعض المفاهيم الفلكية التالية.

 

يتم التحري عن الهلال الجديد بعد غروب الشمس، و بشكل عام لا يتم التحري عن الهلال قبل غروب الشمس لأن الهلال الذي نبحث عنه نحيل جدا و إضاءته خافتة، فالبحث عن مثل هذا الهلال قبل غروب الشمس هو كالبحث عن النجوم وقت الظهيرة! فالنجوم موجودة في السماء دائما، إلا أن إضاءة الشمس الشديدة تطغى على إضاءة النجوم، فلا بد من غروب الشمس أولا و الانتظار لمدة زمنية معينة بعد غروب الشمس حتى تبدأ النجوم بالظهور، فعلى سبيل المثال لا تبدأ النجوم بالظهور بعد غروب الشمس بخمس دقائق فقط، لأن إضاءة الغسق ما زالت شديدة، فقد نضطر أحيانا إلى الانتظار لمدة ساعة بعد غروب الشمس لرؤية النجوم الخافتة.

 

و المثال نفسه ينطبق على الهلال تقريبا، إلا أن الهلال لن يبقى منتظرا في السماء إلى أن تخفت إضاءة الغسق لنتمكن من رؤيته! فالقمر يشرق و يغرب مثل الشمس تقريبا، إلا أن القمر يتأخر غروبه كل يوم بمقدار 50 دقيقة كمعدل، بمعنى أنه إذا غاب القمر اليوم في الساعة السابعة مساء، فإنه سيغيب غدا في الساعة السابعة و خمسين دقيقة تقريبا.

 

إن القمر في اليوم التاسع و العشرين من الشهر الهجري قد يغيب قبل الشمس أو معها أو بعدها بفترة لا تتعدى ساعة واحدة بشكل عام، و الفترة ما بين غروب الشمس و غروب القمر تسمى مكث القمر، فإذا تمت رؤية الهلال في الفترة الممتدة ما بين غروب الشمس إلى غروب القمر كان اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، أما إذا غرب القمر قبل أن نتمكن من رؤية الهلال يكون اليوم التالي هو اليوم الثلاثين من الشهر الهجري الحالي.

 

مما سبق نستنتج أنه حتى نتمكن من رؤية الهلال يوم التاسع و العشرين من الشهر الهجري لا بد من توفر شرطين أساسيين تستحيل الرؤية بغياب أحدهما:

 

أولا: أن يكون القمر قد وصل مرحلة المحاق (الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار) قبل  غروب الشمس، لأننا نبحث عن الهلال، و هو -أي الهلال-  مرحلة تلي المحاق، فإن لم يكن القمر قد وصل مرحلة المحاق فلا جدوى إذا من البحث عن الهلال.

 

ثانيا: أن يغرب القمر بعد غروب الشمس؛ لأننا سنبحث عن الهلال عندما يخف وهج السماء بعد غروب الشمس، فإذا كان القمر سيغيب أصلاً قبل غروب الشمس، فهذا يعني أنه لا يوجد هلال في السماء نبحث عنه بعد الغروب.

 

و من الجدير بالذكر أن الفترة الزمنية الممتدة من لحظة المحاق (تولد الهلال) و حتى وقت الرصد (لحظة غروب الشمس مثلا) تسمى عمر القمر، فعلى سبيل المثال إن عمر القمر عندما يكون في طور البدر هو 14 يوما تقريبا، و عمر القمر وقت المحاق (تولد الهلال) هو صفر.

 

 

* هل المحاق (الاقتران أو تولد الهلال أو الاستسرار) لحظة عالمية واحدة ؟

 

ساد الاعتقاد بأن لحظة الاقتران هي لحظة عالمية واحدة، إلا أن هذا الاعتقاد غير دقيق بعض الشيء، فهناك مصطلحان للاقتران، يطلق على الأول اسم "الاقتران المركزي (Geocentric New Moon)" و الثاني "الاقتران السطحي (Topocentric New Moon)". المصطلح الأول يعتبر أن الأرض و الشمس و القمر عبارة عن نقاط (و هي المراكز) تسير في الفضاء، فإذا ما التقت هذه المراكز على استقامة واحدة و كان القمر في المنتصف، حدث الاقتران، بالطبع فإن لحظة الاقتران في هذه الحالة عبارة عن لحظة عالمية واحدة، إلا أن عملية رصد الهلال تتم من على سطح الأرض و ليس من مركزها! فما يهمنا معرفته هو وقت حدوث الاقتران من موقع رصدنا على سطح الأرض، و هذا ما يعالجه المصطلح الثاني "الاقتران السطحي"، إذ يعتبر هذا المصطلح أن الأرض و الشمس و القمر عبارة عن كرات تسير في الفضاء، و يحدث الاقتران عندما يقع مركزا القمر و الشمس على استقامة واحدة كما يرى من موقع الراصد على سطح الكرة الأرضية، بالطبع فإن لكل منطقة على سطح الأرض موعدها المختلف لحدوث الاقتران، و خير دليل على ذلك هو كسوف الشمس، فهو اقتران مرئي، و من المعروف بأن مواعيد الكسوف تختلف من منطقة لأخرى، و يبلغ أقصى فرق بين الاقترانين المركزي و السطحي حوالي ساعتين، في حين يبلغ أقصى فرق في الاقتران السطحي بين منطقتين مختلفتين لنفس الشهر إلى أربع ساعات تقريبا.

 

إذا حتى لو سلمنا بصحة قول من يدعو إلى اعتماد بداية الشهر الهجري إذا حدث المحاق قبل غروب الشمس، فإنه لا بد من استخدام موعد المحاق السطحي و ليس المركزي، و للأسف فإن معظم معدي التقاويم في الدول الإسلامية يعتمدون الاقتران المركزي و ليس السطحي.

 

* معايير رؤية الهلال

 

قبل أن نعرف إمكانية رؤية الهلال بعد غروب الشمس في اليوم التاسع و العشرين من الشهر الهجري، يجب التأكد أولا أن القمر في ذلك اليوم سيغيب بعد غروب الشمس، و أن المحاق (تولد الهلال) قد حدث قبل غروب الشمس، و لمعرفة هذه القيم الثلاثة (موعد المحاق و غروب الشمس و غروب القمر) يمكن استخدام برامج حاسوب مجانية معدة لهذا الغرض أو الرجوع إلى مواقع متخصصة على شبكة الإنترنت أو استشارة إحدى الجهات الفلكية ذات العلاقة.

 

فلنفترض أن المحاق قد حدث قبل غروب الشمس و أن القمر سيغرب بعد غروب الشمس، فما هي المعلومات الأخرى التي يجب معرفتها حتى نحدد أنه سيكون بالإمكان رؤية الهلال في ذلك اليوم أم لا؟ و هذا ما يسمى بمعايير رؤية الهلال. و لقد ساد بين عامة الناس الكثير من المعايير التي تتسم غالبيتها بعدم الدقة أو حتى عدم الصحة، و فيما يلي بعضا من معايير رؤية الهلال:-

 

أولا: معيار غروب القمر بعد الشمس و حدوث المحاق قبل غروب الشمس

 

 

يقول أصحاب هذا المعيار أنه إذا غرب القمر في اليوم التاسع و العشرين من الشهر الهجري بعد غروب الشمس و لو بدقيقة، و حدث المحاق قبل غروب الشمس و لو بدقيقة، فإن القمر يمكن رؤيته بعد غروب الشمس كهلال، و عليه يكون اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد، و هذا هو المعمول به في تقويم أم القرى السعودي ابتداء من العام 1423 هـ (المصطفى و حافظ 2001)، و كذلك فإن هذا المعيار أو ما يشبهه هو المعتمد في تقاوييم دول الخليج باستثناء سلطنة عمان و في مصر و في العديد من الدول الإسلامية الأخرى، و يعتبر هذا المعيار معيارا سيئا لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، و ذلك للأسباب التالية:-

 

أ‌-       إن موعد المحاق الذي تم حسابه هو المحاق المركزي، أي موعد المحاق بالنسبة لمركز الأرض و ليس بالنسبة لموقع الراصد كالسعودية أو مصر أو غيرها، فقد يبدأ الشهر لأن المحاق قد حدث قبل غروب الشمس بالنسبة لمركز الأرض، في حين أن المحاق لم يحدث بعد بالنسبة لموقع الراصد على سطح الأرض!

 

 

ب‌-  عندما نقول أن الشمس (أو القمر) قد غربت، فهذا يعني أن الحافة العليا لقرص الشمس (أو القمر) قد اختفت وراء الأفق، فإذا كانت الشمس ستغيب في الساعة السادسة مساء مثلا و سيغيب القمر في الساعة في الساعة السادسة و دقيقتين، فهذا يعني أن الحافة العليا لقرص القمر ستختفي في الساعة السادسة و دقيقيتين، إلا أن الهلال –إذا افترضنا وجوده في مثل هذه الحالة- يقع في الحافة السفلى لقرص القمر، لأن القمر يستمد ضوءه من الشمس، و حيث أن الشمس تقع أسفل القمر، فهذا يعني أن الجزء المضيء من قرص القمر هو الجزء السفلي منه، و من البديهي أن الحافة السفلى لقرص القمر تغيب قبل الحافة العليا، و بالنسبة لخط عرض 32° مثلا فإن المدة الزمنية ما بين غروب الحافة العليا لقرص القمر و غروب الحافة السفلى هي دقيقتين و 40 ثانية كمعدل، أي أن الهلال يغيب فعليا قبل ثلاث دقائق تقريبا من غروب كامل قرص القمر، و بالتالي حتى لو سلمنا بإمكانية رؤية الهلال بمجرد غروب القمر بعد الشمس دون النظر في العوامل الأخرى، فإنه يجب اعتماد موعد غروب الحافة السفلى لقرص القمر و ليس العليا، و حيث أن الفارق الزمني بين الغروبين يساوي 3 دقائق تقريبا، فهذا يعني أنه لا بد أن يغيب القمر بعد 3 دقائق من غروب الشمس حتى نضمن على الأقل وجود "ذلك الهلال المزعوم" في السماء بعد غروب الشمس، (انظر الشكل 2).

 

 

ج- حتى لو افترضنا أن الجهات المسؤولة قامت بإجراء التعديلين السابقين في حساب موعد المحاق و موعد غروب القمر، فإن هذا المعيار يبقى سيئا لمعرفة إمكانية رؤية الهلال كما سيتضح لاحقا، بل حتى يمكن اعتباره معيارا يهمل رؤية الهلال لأنه يقر ببداية الشهر بمجرد غروب القمر بعد الشمس و حدوث المحاق قبل غروب الشمس دون الاهتمام بأن القمر أصبح في طور الهلال، بل يكتفي أن القمر قد وصل مرحلة المحاق.


الشكل 2 - أ

الشكل 2 - ب

الشكل 2 - ج

الشكل رقم (2): يبين الشكل وضعية الشمس و القمر وقت الغروب يوم 19 نيسان 2004م من غرب تركيا، حيث دلت الحسابات الفلكية على أن الشمس تغيب في الساعة 18:40، و يغيب القمر بعد دقيقة و نصف من غروب الشمس أي حوالي الساعة 18:41:30. يبين الشكل (2 – أ) أن الحافة السفلى لقرص القمر (مكان تواجد الهلال) بدأت بالغروب و ما زالت الشمس فوق الأفق، و يبين الشكل (2 – ب) أن جميع النصف السفلى للقمر قد غاب قبل اكتمال غروب الشمس. 

 

ثانيا: معيار عمر القمر

 

يستخدم هذا المعيار من قبل عامة الناس كونه الأسهل استخداما، فنجد من يقول أنه إذا زاد عمر القمر وقت غروب الشمس عن 12 ساعة مثلا فعندها يمكن رؤية الهلال في ذلك اليوم، و كما ذكرنا فإن عمر القمر هي الفترة الزمنية ما بين وقت المحاق و وقت الرصد، فمعتمدي هذا المعيار قد علموا أن تولد الهلال هو المحاق، و أن القمر بحاجة إلى فترة زمنية بعد المحاق (تولد الهلال) حتى يبتعد عن الشمس و تبدأ حافته بعكس أشعة الشمس لنراه على شكل هلال، و بالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة منذ العام 1859 م  و حتى العام 2005م (Odeh 2004) نجد أن أصغرعمر هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 15 ساعة و 33 دقيقة، و  ذلك من قبل الراصد بيرس (Pierce) يوم 25/02/1990م، أما بالمرقب فقد كان أصغر عمر هلال تمت رؤيته هو 13 ساعة و14 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد ستام (Stamm) يوم 20/01/1996م.

 

إلا أن معيار عمر القمر لا يمكن استخدامه بدقة لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، بمعنى أنه لا يمكننا القول بأنه يمكن رؤية كل هلال بالعين المجردة إذا زاد عمره عن 15 ساعة، حيث تبين أرصاد الأهلة السابقة أنه قد يكون عمر القمر 24 ساعة أو أكثر و لا يرى الهلال حتى بالمرقب (1996 Schaefer)، و ذلك لأن رؤية الهلال لا تعتمد على عمر القمر فقط.

 

ثالثا: معيار مكث القمر:

 

تسمى الفترة ما بين غروب الشمس و غروب القمر بمكث القمر، و قد اتخذ البعض هذه القيمة كمعيار لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، فنجد من يقول مثلا أنه إذا مكث القمر لمدة تزيد عن 30 دقيقة بعد غروب الشمس، فعندها يمكن رؤية الهلال، و بالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة منذ العام 1859 م  و حتى العام 2005م نجد أن أقل مكث هلال تمت رؤيته بالعين المجردة كان 29 دقيقة، و ذلك من فلسطين يوم 20/09/1990م، أما بالمرقب فقد كان أقل مكث هلال تمت رؤيته هو 21 دقيقة، و ذلك من قبل الراصد ستام (Stamm) يوم  02/11/2005م، و هذا المعيار ليس دقيقا كذلك، حيث تبين  أرصاد الأهلة السابقة أنه قد يكون مكث القمر 75 دقيقة أو أكثر و لا يرى الهلال حتى باستخدام المرقب (1996 Schaefer).

 

رابعا: معيار الاستطالة (قوس النور):

 

الاستطالة هي بعد مركز القمر عن مركز الشمس بالدرجات كما يرى من الأرض، فعلى سبيل المثال إن استطالة القمر وقت ذروة كسوف الشمس الكلي تساوي صفرا، لأن القمر يقع أمام الشمس تماما بالنسبة للناظر من الأرض، في حين أن استطالة القمر عن الشمس وقت البدر تساوي 180 درجة، أما عندما يكون القمر في طور التربيع الأول فإن استطالته تساوي 90 درجة، و كلما ازدادت استطالة القمر عن الشمس ازدادت نسبة إضاءته و بالتالي تتحسن إمكانية رؤية الهلال، و قد توصل العالم  دانجون (Danjon) عام 1936م  إلى أنه إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 7 درجات فإن نسبة إضاءة القمر كما تبدو للراصد على سطح الأرض تساوي صفرا، و بتقدم الأجهزة الرصدية و ازدياد الأرصاد الفلكية للهلال نجد أن حد دانجون يساوي الآن 6.4 درجة، فبالعودة إلى أرصاد الأهلة الممتدة منذ العام 1859 م  و حتى العام 2005م نجد أن أقل استطالة لهلال تمت رؤيته بالعين المجردة كانت 7.7 درجة، و ذلك من قبل الراصد بيرس (Pierce) يوم 25/02/1990م، أما بالمرقب فإن أقل استطالة لهلال تمت رؤيته كانت 6.4 درجة و ذلك صباح يوم 13/10/2004م من قبل الراصد ستام (Stamm).

 

في حين أنه يمكن استخدام هذا المعيار كحد أدنى، كأن نقول أنه لا يمكن رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات، فإنه لا يمكننا القول أنه من الضروري رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أكثر من 6 درجات، فهناك عوامل أخرى تؤثر على رؤية الهلال، و غالبية الفلكيين متفقين على هذا المعيار و لم يشذ عن ذلك إلا قلة، و حجة مدعي عدم دقة هذا الحد هو شهادة بعض الشهود برؤية الهلال عندما كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات، في الحقيقة إن هذا دليل لا يصلح لأن هؤلاء الشهود الذين يستدل بشهادتهم البعض هم أنفسهم من يشهد برؤية الهلال عندما يكون القمر غير موجود في السماء أصلا، إن جميع أرصاد الهلال الممتدة منذ العام 1859 م  و حتى العام 2005 م تؤكد هذا الحد، بل إن الحسابات الفلكية تشير إلى أن هذا الحد يصبح 5 درجات عند الرصد بالعين المجردة من الفضاء الخارجي بعيدا عن الغلاف الجوي (Schaefer 2002).

 

خامسا: معايير حساب رؤية الهلال:

 

مما سبق نستنتج أنه لا يمكن استخدام عمر القمر أو مكثه لمعرفة إمكانية رؤية الهلال، و لكن قد نتمكن من معرفة إمكانية رؤية الهلال إذا كانت هذه القيم صغيرة جدا أو كبيرة جدا، فمثلا من المسلم به أنه لا يمكن رؤية الهلال إذا كان عمر القمر ساعة واحدة فقط مثلا، أو إذا كان مكث القمر 5 دقائق فقط، في حين أنه من المفترض أن نرى الهلال إذا كان عمره 48 ساعة أو مكثه ساعتين، أما معيارالاستطالة فإنه ينص على أنه لا يمكن رؤية الهلال حتى باستخدام المرقب إذا كانت استطالة القمرعن الشمس أقل من 6 درجات، و لكن معيار الاستطالة لا يعطي أمكانية رؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أكبر من 6 درجات.

 

إذا ما هي الطريقة لمعرفة إمكانية رؤية الهلال بشكل دقيق؟ إن الحسابات الفلكية قادرة على حساب إمكانية رؤية الهلال بدقة لمئات أو حتى آلاف السنين السابقة أو اللاحقة، و هناك العديد من الأبحاث التي عالجت موضوع حساب إمكانية رؤية الهلال بشكل مفصل، فيمكن الرجوع لإحدى الأبحاث التالية لمعرفة الإجابة على هذا السؤال (Caldwell and Laney 2001، Yallop 1997، Odeh 2004)، و من الدول الإسلامية التي تعد تقاوييمها بناء على حساب إمكانية رؤية الهلال هي تركيا و إيران و سلطنة عمان و الأردن و الجزائر و المغرب.

 

* هل نعتمد الحسابات الفلكية أم الرؤية الشرعية للهلال ؟

 

سؤال كثيرا ما يطرح و لا نكاد نجد جوابا واضحا و كافيا له، فمن ناحية نجد أن بعض الفقهاء قد أجاز استخدام الحسابات الفلكية، و من ناحية أخرى نجد أن فريقا آخر من الفقهاء لم يجزه، أما الفقهاء الذين أجازوا استخدام الحسابات الفلكية، فإننا نتساءل، أي من البنود الأربعة التالية هو المقصود بجواز استخدام الحسابات الفلكية:-

 

1- عدم دعوة الناس لتحري الهلال، و الاكتفاء بحساب موعد المحاق و موعدي غروب الشمس و غروب القمر، فإن وجد أن المحاق يحدث قبل غروب الشمس و أن القمر يغرب بعد غروب الشمس، اعتبر اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد، و إلا اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

 

2- عدم دعوة الناس لتحري الهلال، و الاكتفاء بحساب إمكانية رؤية الهلال باستخدام إحدى المعايير القادرة على تحديد أمكانية رؤية الهلال، فإن وجد أن هناك إمكانية لرؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد، و إلا اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

 

3- دعوة الناس لتحري الهلال، و حساب موعد المحاق و موعدي غروب الشمس و غروب القمر:-

3-1: إذا وجد أن المحاق يحدث قبل غروب الشمس و أن القمر يغرب بعد غروب الشمس                و جاء من يشهد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد.

3-2: إذا وجد أن المحاق يحدث قبل غروب الشمس و أن القمر يغرب بعد غروب الشمس                و لم يشهد أحد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

3-3: إذا لم يتحقق أحد الشرطين و جاء من يشهد برؤية الهلال، ترد شهادته و يعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

3-4:إذا لم يتحقق أحد الشرطين و لم يشهد أحد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

البند 3 سالف الذكر هو المعتمد في المملكة العربية السعودية ابتداء من العام 1423 هـ (حافظ 2001)، و لكننا لاحظنا شذوذ عن هذه القاعدة، و قبلت شهادة الشهود في السعودية برؤية الهلال حتى عند غروب القمر قبل الشمس أو حدوث المحاق بعد غروب الشمس و مثال ذلك شوال 1425 هـ و ذو الحجة 1425 هـ و رمضان 1427 هـ. 

 

4- دعوة الناس لتحري الهلال و حساب إمكانية رؤية الهلال باستخدام إحدى المعايير القادرة على تحديد إمكانية رؤية الهلال:-

4-1: إذا وجد أن رؤية الهلال ممكنة و جاء من يشهد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي أول أيام الشهر الهجري الجديد.

4-2: إذا وجد أن رؤية الهلال ممكنة و لم يشهد أحد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

4-3 إذا وجد أن رؤية الهلال غير ممكنة و جاء من يشهد برؤية الهلال، ترد شهادته و يعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

4-4: إذا وجد أن رؤية الهلال غير ممكنة و لم يشهد أحد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي.

أما الفقهاء الذين يدعون إلى عدم جواز اعتماد الحسابات الفلكية فإننا نتساءل، هل المقصود بذلك هو دعوة الناس لتحري الهلال يوم التاسع و العشرين من الشهر الهجري و عدم إجراء أي نوع من أنواع الحسابات الفلكية، فإن أتى من يشهد برؤية الهلال اعتبر اليوم التالي هو أول أيام الشهر الهجري الجديد حتى و إن دلت الحسابات الفلكية أن القمر غير موجود في السماء أو أنه لم يصل إلى طور المحاق بعد، و أما إذا لم يشهد أحد برؤية الهلال، اعتبر اليوم التالي هو اليوم المتمم للشهر الهجري الحالي ؟

 

كان هذا هو المعتمد في المملكة العربية السعودية قبل العام 1419 هـ (حافظ 2001)، وبالطبع أدرك المسؤولون في السعودية عدم جدوى هذا الإجراء، إذ أدى اعتماده إلى خطأ في بداية الأشهر الهجرية و على الأخص رمضان و شوال و ذي الحجة بمقدار يومين أحيانا، فأشار (عودة 1999) في دراسة لتقييم صحة بداية الأشهر الهجرية في الأردن في الفترة ما بين العام 1954م و حتى العام 1999م (حيث كانت الأردن تتبع السعودية بشكل عام في تلك الفترة) أنه ضمن هذا الفترة يوجد 47 شهر رمضان، كانت إمكانية الرؤية مستحيلة في اليوم السابق لبداية الشهر في 28 شهرا (60 %)! وكانت إمكانية الرؤية غير الممكنة في 17 شهر (36 %)، في حين أن الرؤية الممكنة كانت في حالتين فقط (04 %)، أما شهر شوال، فمن بين الـ 47 شهراً كانت إمكانية الرؤية مستحيلة في 32 شهرا (68 %) ! وغير الممكنة في 14 شهرا (30 %)، أما الرؤية الممكنة فكانت مرة واحدة فقط (02 %).

 

* الخلاصة:

 

تولد الهلال هي اللحظة التي يصبح فيها القمر في طور المحاق و ليس في طور الهلال، و يحتاج القمر بعد المحاق إلى فترة زمنية تختلف من شهر لآخر حتى ينتقل من طور المحاق إلى طور الهلال، فتولد الهلال و المحاق و الاقتران و الاستسرارا كلها مترادفات لمعنى واحد.

 

و حيث أننا مأمورون شرعا باعتماد الهلال لمعرفة المواقيت و ليس المحاق، فإنه ينبغي على الجهات المسؤولة عن إعداد التقاوييم أو تحديد بدايات الأشهر الهجرية في الدول الإسلامية اعتماد معيار يأخذ إمكانية رؤية الهلال  بعين الاعتبار.

 

كما إن لجوء البعض إلى اعتماد معيار عمر القمر أو مكث القمر لمعرفة إمكانية رؤية الهلال لن يعطي نتائج دقيقة، و يمكن اعتماد معيار الاستطالة كحد فاصل لرد شهادة الشهود برؤية الهلال إذا كانت استطالة القمر عن الشمس أقل من 6 درجات.

 

يبقى موضوع جواز اعتماد الحسابات الفلكية أو عدم جوازها لتحديد بدايات الأشهر الهجرية بحاجة لإجابات تفصيلية و واضحة من قبل الفقهاء، و على الفلكيين و الفقهاء العمل سوية لضمان صحة تحديد بدايات الأشهر الهجرية في مختلف الدول الإسلامية.

 

* الكاتب

 

محمد شوكت عودة: رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة ICOP، رئيس لجنة رصد الأهلة و المواقيت التابعة للجمعية الفلكية الأردنية، عضو مؤسس في الإتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك، عضو اللجنة الرسمية لإثبات الأهلة في الأردن و الإمارات. (modeh@icoproject.org).

 

* المراجع

 

- زكي المصطفى و ياسر حافظ، تقويم أم القرى (التقويم المعتمد في المملكة العربية السعودية)، المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني، عمان – الأردن، 2001.

 

 

- محمد عودة،  تقويم نسب الخطأ في تحديد أوائل الأشهر الهجرية في الأردن، المؤتمر الفلكي الإسلامي الأول، عمان – الأردن، 1999.

 

- محمد عودة، الهلال بين الحسابات الفلكية والرؤية، منشورات الاتحاد العربي لعلوم الفضاء و الفلك، كراس رقم 15، 2004.

 

- ياسر حافظ 2001، لقاء شخصي.

 

A. Danjon,1936. L’Astronomie, 50, 2.

 

B. Schaefer, 1996. Lunar crescent visibility. Q.J.R.Astron. Soc. 37, 759-768.

 

B. Yallop, 1997. A Method for Predicting the First Sighting of the New Crescent Moon.  RGO NAO Technical Note No 69.

 

B. Schaefer, 2002. Personal Communication.

 

J. Caldwell and C. Laney, 2001. First visibility of the lunar crescent. SAAO, African Skies 5.

 

M. Odeh, 2004. New Criterion for Lunar Crescent Visibility, Experimental Astronomy, 18, 39-64.

 

 

 

 

 


Copyrights reserved IAC © 1998-2024. Powered and developed by Web design and development company amman, jordan. Web hosting and website and identity (logo) design