حقوق الطبع لهذا البحث محفوظة للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة © 2007

المواد غير قابلة لإعادة النشر دون إذن مسبق

---

فَـمَـنْ شَـهِـدَ مِـنْـكُـمُ اَلـشَّـهْـرَ

دراسة فلكية مقارنة بين يومي الدخول الرسمي والفلكي

لشهر رمضان في المملكة العربية السعودية للفترة: 1380-1425هـ

 

عدنان عبدالمنعم قاضي

بحث مقدم إلى مؤتمر الإمارات الفلكي الأول:

تطبيقات الحسابات الفلكية

تنظيم جمعية الإمارات للفلك

22—23 ذو القعدة 1427هـ (13-14 كانون الأول/ديسمبر 2006م)

أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة

مـلـخـص

بعد مرور أكثر من 1400 سنة على نشوء التقويم الهجري لا يزال التقويم غير يقيني وبالتالي لا يزال المسلمون مختلفين متى يبدأ الشهر. يظهر الاختلاف جلياً في تحديد بداية الشهور ذات الشعائر الدينية: رمضان، شوال (عيد الفطر)، ذو الحجة (الوقفة في عرفات وعيد الأضحى)، وبدرجة أقل، محرم ورجب.

هذه الدراسة تقارن بين يوم دخول شهر رمضان المبارك في المملكة العربية السعودية كما أعلن رسميًا عن دخوله واليوم الذي يحقق الشروط الفلكية للرؤية التي وضعها علماء الفلك والشريعة المسلمون في مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية الذي انعقد في اسطنبول، تركيا في الفترة 26-29 ذي الحجة 1398هـ (27-30 نوفمبر 1978م). فترة الدراسة هي: 1 رمضان 1380هـ إلى 1 رمضان 1425هـ (الخميس 16-2-1961م إلى الجمعة 15-10-2004م).

تظهر نتائج الدراسة أن طريقة الرؤية التقليدية المتبعة في إعلان دخول رمضان وافقت الحساب العلمي الفلكي، كما حدد في مؤتمر اسطنبول، في 6 من 46 مرة (13%)؛ وعارضته في 40 من 46 مرة (87%)؛ كان الهلال، بعد غروب الشمس، تحت الأفق في 29 من 46 مرة (63%)؛ وأخيراً، كانت هناك 10 من الـ 29 مرة (34%)، كان الهلال بعيداً تحت الأفق بحيث أنه لا بد من مضي يومين لدخول رمضان.

Abstract

After more than 1400 years since its inception, the Hejra Calendar still suffers uncertainty and hence Muslims have still been arguing when a Hejri month begins. The quarrel is clearly evident in determining the beginning of the religious months: Ramadan, Shawwal (Eid al-Fitr), Thu al-Hejja (the Standing in Arafat and Eid al-Adh'ha) and, to a lesser degree, Muharram and Rajab.

This study compares the day Ramadan officially started in Saudi Arabia with the day that complies with the criteria set forth in the "Determining the Beginning of Lunar Months Conference" convened in Istanbul, Turkey on 26-29 Thu al-Hejja 1398 AH (27-30 November 1978). The study period is 1 Ramadan 1380 – 1 Ramadan 1425 AH (Thursday 16-2-1961 – Friday 15-10-2004 AD).

The study shows: that the classically practiced approach agreed with the astronomical calculation, as declared in the Istanbul Conference, in 6 out of 46 times (13%); disagreed in 40 out of 46 times (87%); the crescent moon, at sunset, was below the horizon 29 out of 46 times (63%); and in 10 out of the 29 times the crescent moon was so below the horizon, there must have been 2 additional days to pass before Ramadan was officially declared.

فَـمَـنْ شَـهِـدَ مِـنْـكُـمُ اَلـشَّـهْـرَ

دراسة فلكية مقارنة بين يومي الدخول الرسمي والفلكي

لشهر رمضان في المملكة العربية السعودية للفترة: 1380-1425هـ

عدنان عبدالمنعم قاضي

1.    تمهيد

في هذا الدراسة سوف نطبق المعلومات العلمية والفلكية الدالة على دخول شهر رمضان الكريم على يوم الإعلان الرسمي لدخول شهر رمضان في المملكة العربية السعودية كحالة دراسة من الفترة 1 رمضان 1380هـ إلى 1 رمضان 1425هـ (الخميس 16 فبراير/شباط 1961م إلى الجمعة 15 أكتوبر/تشرين الأول 2004م).

ولكن لنعطي أولاً نبذة عن تقويم أم القرى ثم نلقي ضوءًا على الكيفية الرسمية لدخول وإعلان شهر رمضان وعيد الفطر في المملكة العربية السعودية.

2.    تقويم أم القرى

تقويم أم القرى[1] هو التقويم المدني الرسمي لحكومة المملكة العربية السعودية وتعده وتصدره هيئة رسمية تسمى: مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتكنولوجيا. وتستخدم التقويم كل الإدارات الرسمية، وكل الهيئات الدينية الرسمية الأخرى (بما في ذلك مجلس القضاء الأعلى) في كل المعاملات الرسمية وإن كانوا لا يعترفون بتحديد تقويم أم القرى لدخول أي شهر. ولكن الحكومة السعودية تستخدم أيضًا تقويمًا شمسيًا (ويُسمى التقويم الهجري الشمسي[2]) في معاملات رسمية أخرى (كالميزانية والتخطيط مثلاً) وتسمح لجهات رسمية وشبه رسمية، (لإبرام عقود ومعاهدات) باستخدام التقويم الشمسي الميلادي.

تقويم أم القرى هو الوارث لتقويمين، الأول هو: "تقويم الأوقات لعرض نجد"، والثاني "تقويم الأوقات لعرض المملكة العربية السعودية" حيث دمجا وسُمِّيا بتقويم أم القرى. مر تقويم أم القرى بمراحل مختلفة لتحديد طريقة دخول الشهر القمري. في المرحلة الأولى وتمتد من عام 1346-1392هـ (1927-1973م) أخذ التقويم بمعيار: إذا كانت زاوية ارتفاع القمر عن الأفق 9 درجات أو أكبر عند غروب الشمس، فاليوم التالي هو بداية الشهر. في المرحلة الثانية وتمتد من عام 1393-1419 هـ (1973-1997م) أخذ التقويم بمعيار: إذا تمت ولادة الهلال قبل الساعة 12:00 ليلاً بتوقيت قرينيتش (التاسعة مساءً بتوقيت المملكة)، فاليوم التالي هو بداية الشهر. في المرحلة الثالثة وتمتد من عام 1419-1422هـ (1998-2002م) أخذ التقويم بمعيار: إذا غرب القمر بعد غروب الشمس في مكة المكرمة بغض النظر عن ولادة الهلال، فاليوم التالي هو بداية الشهر. في المرحلة الرابعة من عام 1423- الآن (مارس 2002 - الآن) أسس فيها تقويم أم القرى المعياريين التاليين: يكون اليوم التالي هو بداية الشهر إذا ولد الهلال قبل غروب الشمس وإذا غرب الهلال بعد غروب الشمس. كان تقويم أم القرى منذ صدوره وحتى نهاية عام 1388هـ (مارس 1969) يعتمد التوقيت الغروبي لبداية اليوم. مع بداية العام 1389هـ في يوم الأربعاء 1 محرم 1389هـ (19-3-1969م) أضاف تقويم أم القرى التوقيت الزوالي الذي أصبح التوقيت الرسمي للملكة. كما أضاف تقويم أم القرى في يوم الأربعاء 1 محرم 1381هـ الموافق 14 يونيو 1961م تقويمًا شمسيًا بأسماء عربية للشهور وأسماه التقويم الهجري الشمسي (هـ ش) الذي يوافق 24 الجوزاء 1339هـ ش. وكما ذكر، فالحكومة السعودية تتبع تقويم أم القرى، ولكن مجلس القضاء الأعلى هو الذي يحدد بداية الشهور القمرية الدينية.

3.    دخول رمضان

يحظى دخول شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك، وبقية المناسبات الدينية، بحفاوة رسمية على أعلى مستوى في جميع الدول الإسلامية. ففي المملكة العربية السعودية يصدر بيان من مجلس القضاء الأعلى (الهيئة المسؤولة عن إعلان بداية الشهور الدينية: رمضان وشوال والحج) في يوم 27 من الشهر السابق لتحري رؤية الشهر القادم. في حال ثبوت شهر رمضان وشوال وذي الحجة حسب معايير مجلس القضاء الأعلى يصدر المجلس بيانًا ويحيله إلى الديوان الملكي الذي يصدر بيانًا يُتلى على الشعب العربي السعودي وكل المقيمين في المملكة عبر جميع وسائل الإعلام الرسمية (الإذاعة والتلفزيون) ومن ثَم الصحف المحلية يعلن فيه دخول شهر رمضان الكريم وعيد الفطر المبارك. وصيغة بيان الديوان الملكي هي:-

بيان من الديوان الملكي. صدر عن مجلس القضاء الأعلى ما يلي: الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد: فقد عقد مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة جلسة بعد مغرب هذا اليوم الأربعاء التاسع والعشرين من شهر شعبان [14 أكتوبر 2004م] متحرياً ما قد يرد عن رؤية هلال شهر رمضان المبارك. ولم يرد ما يفيد برؤيته هذه الليلة ليلة الخميس المكمل للثلاثين من شهر شعبان عام 1425هـ الموافق 14 أكتوبر 2004م. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فأكملوا العدة) وقال عليه الصلاة والسلام (لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم  فصوموا ثلاثين يوما). ولعدم ثبوت رؤية الهلال هذه الليلة فإن يوم غد الخميس هو المكمل للثلاثين من شهر شعبان ويوم الجمعة الموافق 15 أكتوبر هو أول شهر رمضان المبارك. ومجلس القضاء الأعلى إذ يهنئ المسلمين بهذه المناسبة يسأل الله جل وعلا أن يوفق المسلمين للعمل الصالح وأن يجمع كلمتهم على الحق وأن ينصر دينه ويعلي كلمته إنه سميع مجيب. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة: ناصر بن إبراهيم الحبيب عضو، غيهب بن محمد الغيهب عضو، محمد بن الأمير عضو، محمد بن سليمان البدر عضو، رئيس المجلس صالح بن محمد اللحيدان.[3]

واستعدادًا لمعرفة دخول شهر رمضان، يقوم مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية بإصدار عدة بيانات ونشرها في الجرائد المحلية في يوم 27 جمادى الآخرة (الشهر السادس في التقويم الهجري) ويوم 27 رجب (الشهر السابع في التقويم الهجري) ويوم 27 شعبان (الشهر الثامن في التقويم الهجري) ويوم 27 رمضان يدعو فيه المسلمين لتحري رؤية هلال الشهر القادم. وصيغة إعلان مجلس القضاء الأعلى لشهر رمضان هي:-

"الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد. فلأنه ثبت دخول شهر شعبان ليلة الأربعاء الموافق 1/8/1425هـ حسب تقويم أم القرى، فإن مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية يرغب من عموم المسلمين في هذه البلاد تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك مساء يوم الأربعاء ليلة الخميس الموافق 30/8/1425هـ حسب تقويم أم القرى.

"ولأهمية الأمر وتعلقه بركن من أركان الإسلام ولأن من أنعم الله عليه بحدة البصر عليه أن يشكر الله ويحتسب في ترائي الهلال ويبادر إذا رآه لأقرب محكمة يمكنه الاتصال بها لإثبات شهادته أو إبلاغ الجهة المختصة في بلده إذا لم يكن في البلد قاض لتسهل له مهمة الوصول لأقرب محكمة. كما يرجو المجلس الاهتمام بترائي الهلال والاحتساب في ذلك لما فيه من التعاون على البر والتقوى. والله الموفق."[4]

4.    هدف الدراسة

تهدف الدراسة إلى إظهار ما إذا كان يوم الإعلان الرسمي لدخول شهر رمضان الكريم يوافق الشروط الفلكية لرؤية الهلال التي وضعها علماء الفلك والشريعة المسلمون في مؤتمر تحديد أوائل الشهور القمرية الذي انعقد في اسطنبول، تركيا في الفترة 26-29 ذي الحجة 1398هـ (27-30 نوفمبر 1978م).

5.    منهجية الدراسة

تعتمد منهجية الدراسة على إظهار حيثيات علمية فلكية لليلة التي سبقت دخول الشهر وذلك لموقع مكة المكرمة. في حال عدم توافق الحيثيات العلمية الفلكية لهذه الليلة لشروط دخول الشهر القمري، فسنبين اليوم الذي يوافق الشروط. ولكن لنتذكر أن اليوم يبدأ في الحسابات الإسلامية عند الغروب وليس عند منتصف الليل كما هو العُرف السائد الآن (التوقيت الزوالي). لنتذكر أيضًا أن بدء اليوم عند الغروب يعني بالضرورة أن الشهر (وبالتالي السنة) يبدأ عند بدء اليوم، أي عند الغروب. هذا يستلزم أن يتم الاقتران قبل الغروب ثم تؤخذ حيثيات تلك الليلة، كما سيتضح بعد قليل.

إن الشهر العربي القمري (التقويم الهجري) يبدأ بحدوث الاقتران في اليوم السابق لبدء الشهر ثم غروب الشمس ثم غروب الهلال مع زاوية ارتفاع القمر عن الأفق تساوي على الأقل 5 درجات وزاوية انفصال القمر عن الشمس تساوي على الأقل 7 درجات. لكن بعض الأشهر ذات الصبغة الدينية مثل رمضان وشوال وذي الحجة لا يتم إعلان دخولها من المؤسسات الدينية إلا بإبلاغ رؤية بصرية من أفراد. هذه المؤسسات الدينية الرسمية لا تعترف بعلم الفلك الحديث ولا التقويم الرسمي ولا اللجان الرسمية العلمية لتحري الهلال، بل يغمزون وحتى ينفون دقة وصحة نتائج علم الفلك تارة ويخلطون بين علم الفلك والتنجيم تارة أخرى. ويحتج أهل هذا السلوك باختلاف علماء الفلك فيما بينهم، وكأن فقهاء الشريعة الإسلامية لمْ ولا يختلفون فيما بينهم. فهل أصبح اختلاف العلماء (فلك أو شريعة أو غيره) فيما بينهم مدعاة لترك علمهم؟  لا.

يوضح الجدول التالي يومين هما محور الدراسة: العمود الثالث في (الجدول 1) يحدد اليوم الرسمي الذي أُعلن فيه دخول شهر رمضان ؛ ويقابله العمود الأخير في نفس الجدول الذي يحدد اليوم المفترض أن يكون، أي اليوم الذي تُؤيد فيه الحيثيات العلمية الفلكية بداية شهر رمضان.

اليوم الرسمي لإعلان رمضان قُدِّم من مركز الدراسات والمعلومات في مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر في جدة[5]. لكي نعرف صحة هذا اليوم الرسمي، أي فيما إذا كانت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة توافق الحساب العلمي الفلكي، فعلينا أن نعرف متى ولد الهلال (اليوم والساعة والدقيقة) وأن نحدد وقت غروب الشمس وغروب الهلال وزاوية ارتفاع الهلال وزاوية انفصال الهلال عن الشمس لليلة السابقة لأول نهار لرمضان (العمود الرابع إلى العمود الثامن في الجدول). هذا أمر سهل ومتاح لأي شخص عامي ومهتم، ويتحقق عبر مَنْهَجة الرؤية البصرية للهلال (أي ما الذي يجب أن يتحقق كونيًا ونعلمه حتى يمكن رؤية الهلال بصريًا). وسنُترجم هذه المعايير في حسابات فلكية علمية دقيقة في (الجدول 1). إن الغرض من توضيح هذه الحسابات الفلكية هو إظهار توافق أو عدم توافق بدء الشهر كما أعلن مع الشروط التي وضعها واتفق عليها علماء فلك مسلمون وعلماء شريعة في مؤتمر اسطنبول، تركيا المنعقد في الفترة 26-29 ذي الحجة 1398 (27-30 نوفمبر 1978).

ولمعرفة اليوم الآخر، استخدم أحدث وأدق برنامج علم فلك متاح للعامة والمختصين والمحترفين واسمه TheSky6 Professional لحساب كل من أوقات ولادة الهلال وغروب الشمس وغروب الهلال وزاويتي ارتفاع وانفصال القمر. علمًا أن إحداثيات مكة المكرمة هي: خط الطول 41" 36' 39° شرقًا وخط العرض 00" 19' 21° شمالاً و300 مترًا ارتفاعًا عن سطح البحر (حيث الرمز " يعني ثانية قوسية، والرمز ' يعني دقيقة قوسية، والرمز ° يعني درجة، وكل درجة تقسم إلى 60 دقيقة قوسية، وكل دقيقة قوسية تقسم إلى 60 ثانية قوسية).

قد يأتي أحد بقيمة أو رقم يختلف قليلاً عما هو في الجدول التالي، أو أي جدول، لأنه يكون قد استخدم قيمة أو رقمًا أو معادلة أو برنامجًا فلكيًا مختلفًا أو حتى كمبيوترًا مختلفًا، هذا معروف وحتى إلى حد ما مقبول، على أن يكون الاختلاف في حدود دقيقة واحدة. أما لو كان الاختلاف في حدود، مثلاً، 6 دقائق ويأتي التعليل بمثل: "قربت ولادة الهلال لأقرب 6 دقائق زمنية لأنه ليس من المفيد استخدام دقة أكبر في هذا الموضوع"، فهذا تجاوز قد يدل على هندسة للنتائج قبل الوصول إليها. إن المنهج الوحيد لكل الجداول هو الصحة correctness والدقة accuracy.

6.    الحسابات الفلكية لتحديد بداية الشهر المفترض

تمت الحسابات الفلكية لتحديد "اليوم الذي تُؤيد فيه الحيثيات بداية الشهر" كما ظهر في العمود الأخير كالتالي:-

أولاً: يُحدد اليوم الذي ولد فيه الهلال (مثلاً، الخميس 16 فبراير 1961م).

ثانيًا: تُحدد ساعة ودقيقة الولادة؛ أقبل غروب الشمس أم بعد غروبها.

ثالثًا: إذا كانت ساعة ولادة القمر قبل الغروب، فيُحسب وقت غروب الشمس وغروب الهلال لنفس اليوم، وكذلك تحسب زاوية ارتفاع القمر عن الأفق وزاوية انفصال القمر عن الشمس (بُعدَه عن الشمس).

رابعًا: إذا وافقت الحيثيات الفلكية لنفس ذلك اليوم، في ثالثًا، الشروط التي وضعها بعض علماء الفلك المسلمون وعلماء الشريعة، فإن اليوم التالي، أي الجمعة 17-2-1961م، هو بداية رمضان في هذه الحالة.

خامسًا: إذا كانت ساعة ولادة القمر (فَرَضًا) بعد أو مع غروب شمس يوم 16 فبراير 1961م ولكن قبل أن تصل الساعة 12:00 صباحًا ولو بثانية واحدة، فنأخذ حسابات اليوم التالي وهو الجمعة 17 فبراير 1961م ونطبق المنوال السابق. إذا وافقت الحيثيات الشروط، فإن رمضان يبدأ في 18-2-1961م، وهكذا.

سادسًا: إذا حدثت ولادة القمر عند الساعة 12:00 صباحًا أو أكثر، فتعتبر ولادة القمر قبل غروب الشمس كما في ثالثًا.

كل هذه الحسابات الفلكية لتحديد "اليوم الذي تُؤيد فيه الحيثياتُ بدايةَ الشهر" لا تظهر في الجدول التالي ويظهر اليوم الذي يوفي الشروط كلها.

7.    نتائج الدراسة

الفترة لهذه الدراسة هي 46 شهرًا رمضانيًا: من الخميس 1 رمضان 1380هـ (16 فبراير 1961م) إلى الجمعة 1 رمضان 1425هـ (15 أكتوبر 2004م).

·        أظهرت الدراسة أن يوم دخول رمضان حسب الإعلان الرسمي يسبق بشكل دائم يوم دخول رمضان حسب الشروط الفلكية.

·        وافقت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة في إعلان دخول رمضان الحساب العلمي الفلكي في 6 من 46 مرة، أو بنسبة 04,13%، علمًا أن أحد المرات (10-1-1997م) لم تستوف الشروط كاملة، انظر الملاحظة 8 في ملاحظات الجدول أدناه.

·        عارضت طريقة الرؤية التقليدية المتبعة الحساب العلمي الفلكي في إعلان دخول رمضان في 40 من 46 مرة، أو بنسبة 96,86%.

·        في ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال، بعد غروب الشمس، تحت الأفق في 29 من الـ40 مرة، أو بنسبة 50,72% لمرات التعارض؛ أو بنسبة 04,63% لكل الفترة. الـ11 مرة الباقية، أو بنسبة 91,23% لكل الفترة، كان الهلال في ليلة إعلان دخول رمضان فوق الأفق ما بين 1' إلى 17' 3° لزاوية الارتفاع، وهي أقل من القيمة المطلوبة وهي 5°.

·        في ليلة إعلان دخول رمضان كان الهلال بعيدًا تحت الأفق (من 20' -5° إلى 06' -12°) في 10 من الـ29 مرة، أو بنسبة 48,34%، بحيث إنه لا بد من مضي يومين آخرين لدخول رمضان، وهذه أقصى مدة سُجِّلت. بينما كان هناك 19 من الـ29 مرة، أو بنسبة 52,65%، كان الهلال تحت الأفق بحيث إنه لا بد من مضي يوم آخر لدخول رمضان.

·        كانت هناك 13 من 46 مرة، أو بنسبة 26,28%، ولد الهلال في صباح نفس اليوم (أي ما بين الساعة 12:00 صباحًا و11:59 صباحًا، بالتوقيت الزوالي) الذي أعلن أنه بداية رمضان، ومرة واحدة في مساء نفس اليوم قبل غروب الشمس، وهو رمضان 1412هـ.

·        كانت هناك 3 من 46 مرة، أو بنسبة 52,6%، ولد الهلال فيها قبل يومين من إعلان بدء رمضان (1404، و1423 و1424هـ).

·        سجلت سنة 1404هـ أعلى زاوية ارتفاع للقمر فوق الأفق (08' 10°) لكل الفترة، وسجلت سنة 1412هـ أدنى زاوية ارتفاع تحت الأفق (06' -12°) لكل الفترة. أما أكبر زاوية انفصال للقمر عن الشمس (31' 14°) فقد سجلت سنة 1424هـ لكل الفترة، بينما سجلت سنة 1382 أصغر زاوية انفصال (43') لكل الفترة.

·        يعتبر إعلان بدء رمضان 1412هـ يوم الأربعاء 4-3-1992م أسوأ إعلان لكل الفترة من حيث بُعد الرؤية التقليدية المتبعة عن التوافق العلمي الفلكي، حيث وافق أدنى درجة كان الهلال فيها تحت الأفق (06' -12°)، وبعبارة زمنية، غرب الهلال قبل غروب الشمس بـ 50 دقيقة، في يوم الثلاثاء 29 شعبان 1412، حسب تقويم أم القرى (3 مارس 1992) حيث ولد الهلال الساعة 4:23 من مساء يوم الأربعاء 4 مارس 1992 والناس صائمون؛ انظر الملاحظة 9 للفصل الثالث. والحقيقة، أنه حتى يوم الخميس (دع عنك الأربعاء) ما كان ليكون بداية رمضان، فالجمعة هو اليوم الأصح.

·        في عام 1965م أتى رمضان في شهر يناير (فصل الشتاء) ومرة أخرى في شهر ديسمبر (يبدأ فصل الشتاء في 21 ديسمبر أو 1 الجدي) من نفس السنة. ثم أتى رمضان كذلك مرتين في يناير وديسمبر من عام 1997م، أي بعد مرور 34 سنة قمرية، أو حوالي 33.58 سنة شمسية[6]. هذه ظاهرة تكررت في السنوات 1868م و1900م و1932م وسوف تتكرر في السنوات 2030م و2063م، على سبيل المثال، لأنها تكررت قبل ذلك وسوف تتكرر بعده.

8.    الخاتمة

الآن لدينا الدليل العلمي الذي يُظهر بوضوح أن الطريقة التقليدية لإثبات الشهور بالرؤية المتبَعة لـ46 سنة فائتة كانت طريقة تتعارض تمامًا مع المنهج العلمي لعلم الفلك الحديث وليس لها سند مادي. أيما فرد أو أفراد يدعون أنهم رأوا الهلال، في الوقت الذي يكون فيه الهلال تحت الأفق، فهم شهود المستحيل. وحينما تكون نسبة الخطأ في ادعاء الرؤيا لهلال رمضان 04,63% (وهذا فقط لكون الهلال تحت الأفق)، فإن الطريقة المتبعة مهما كانت لا يعتمد عليها ويجب إعادة النظر فيها وحتى استبدالها بما يتفق مع ما خلق الله. كما تُظهر الحقائق الكونية أن الفقه الذي يبررها لا يستند على فهم شمولي لشرع الله ولا على فهم حقيقي لما خلق الله.

إن المسألة ليست إما الرؤية أو الحساب: فالرؤيا فهم لشرع الله والحساب فهم لخلق الله، ولا يتم الوصول إلى معرفة مراد الله بفهم أحدهما وإقصاء الآخر. لقد رأينا أن تشريع الرؤيا كان وسيلة وليس عبادة ولا حتى جزءًا من العبادة التالية، وبالتالي فإن المفاضلة بين الرؤية والحساب العلمي ليست صحيحة كما ليس عليها إجماع شرعي. إن الحق هو معرفة دخول وقت العبادة في وقتها الصحيح. وطريقة تطبيق الرؤيا وآلياتها في وضعها الحالي (وليس الرؤيا في حد ذاتها) هي طريقة بدائية لأنها لم تراع الحقائق العلمية على الإطلاق، ولأنها اعتراها كذب أو وهم أو هوى لإثبات صحة مذهب أو لاعتمادها على "أهل رعي وإبل"[7]، وفوق كل ذلك، لأنها لم تعط الوقت الصحيح للعبادة، وهذا هو المعيار.

إن سمعة الإسلام، كدين حضاري اختاره الحكيم العليم لكل البشرية حتى يرث الله الأرض ومن عليها، في خطر ولحقها ضرر لا يمكن تبريره. فأول ضحايا هذه الانتقائية والتفسير الظاهري والأحادي لنصوص شرعية هو الإسلام ذاته وتراثه ليس فقط بين غير المسلمين بل حتى بين أهله. لننظر على سبيل المثال إلى التوقيت الإسلامي الذي اندثر وإلى التقويم الإسلامي الذي يحتضر؛ فيومنا يبدأ عند منتصف الليل ومعاملاتنا الدنيوية وعباداتنا الدينية تُؤرَّخ بالتقويم الميلادي. ". . . إن توفر وسائل التقنية الفلكية بين أيدينا ثم إعراضنا عنها يدل على تخلفنا الفكري والعقلي."[8]

الجدول 1: أول أيام رمضان للأعوام 1380 – 1425 هجرية

 

ملاحظات على الجدول

¹يشير هذا التاريخ في الجدول إلى اليوم الرسمي الذي بدأ فيه شهر رمضان.

²هؤلاء الثلاث قيم (ولادة الهلال وغروب الشمس وغروب القمر) هي لليوم السابق (ليلة) لدخول الشهر، بغض النظر متى ولد الهلال، إلا إذا نوه لخلاف ذلك (انظر الملاحظة رقم 6 و8). استخدم الحرف ص ليعني صباحًا و م ليعني مساءً. قُربت الثواني الزمنية والقوسية إلى دقيقة إذا كانت الثانية 31 أو أكبر وأهملت إذا كانت 30 أو أصغر. لم يراع أي توقيت صيفي.

³هاتان الزاويتان هما لليوم السابق (ليلة) لدخول الشهر، بغض النظر متى ولد الهلال. زاوية الارتفاع الموجبة تعني أن الهلال فوق الأفق، بينما الزاوية السالبة تعني أن الهلال تحت الأفق. حُسبت الزاوية مع الأخذ في الاعتبار أثر انكسار الضوء altitude with refraction على ارتفاع الهلال، وهي دائمًا أكبر من زاوية بدون انكسار الضوء.

⁴الرقم الموجب يعني أن الشمس غربت قبل الهلال بعدد تلك الدقائق، بينما الرقم السالب يعني أن الهلال غرب قبل الشمس بعدد تلك الدقائق.

⁵لتحديد هذا اليوم اُتبع التالي: إذا تمت ولادة الهلال قبل غروب الشمس وغرب الهلال بعد الشمس، فنأخذ عندها غروب الشمس والقمر وزاوية ارتفاع وانفصال القمر لذلك اليوم؛ إذا طابقت الزاويتان الشروط فتكون تلك الليلة أول ليلة الشهر والنهار التالي هو أول أيام الشهر، أي يبدأ اليوم والشهر عند الغروب. إذا لم تطابق الزاويتان الشروط (أي ولد الهلال بعد غروب الشمس أو غرب الهلال قبل الشمس) فنأخذ حيثيات اليوم التالي.

وقتا غروب الشمس وغروب القمر هما لليلة الأولى لبدء رمضان حسب التوقيت الغروبي، (أي الليلة السابقة لبدء الشهر، حسب التوقيت الزوالي). تم حساب توقيت ولادة الهلال وغروب الشمس وغروب القمر حسب التوقيت الزوالي. لنتذكر أن اليوم في الشريعة الإسلامية يبدأ مع غروب الشمس (وينتهي قبل الغروب) وليس الساعة 12:00 صباحًا أو منتصف الليل، ونسميه هنا اليوم الغروبي أو التوقيت الغروبي. فإذا ولد الهلال مع أو بعد غروب الشمس إلى الساعة 11:59 مساءً فهو قد ولد في اليوم الغروبي التالي، ولا يأخذ بحيثيات الشمس والقمر لليوم السابق. فمثلاً، ولد الهلال في يوم 1-12-1967 عند الساعة 7:11 مساءً بينما غربت الشمس الساعة 5:39 مساءً، أي ولد الهلال بعد غروب الشمس. هنا لا نأخذ حيثيات الشمس والقمر ليوم 1-12-1967 بل نأخذ حيثيات يوم 2-12-1967. مثال ثانٍ، ولد الهلال الساعة 3:11 صباح يوم 5-2-1962، هنا نأخذ حيثيات غروب الشمس والقمر وزاويتهما لنفس اليوم. مثال أخير، ولد الهلال الساعة 11:44 مساء يوم 15-1-1964، هنا نأخذ حيثيات غروب الشمس والقمر وزاويتهما لليوم التالي 16-1-1964 لأن كل الحسابات تمت بالتوقيت الزوالي. معياران مختلفان يقر الكاتب بوجودهما ولكنه لم يوجدهما.

⁶تعني أن الهلال ولد في نفس اليوم الذي دخل فيه الشهر.

⁷تعني أن الهلال ولد قبل يومين من اليوم الذي دخل فيه الشهر.

⁸في هذه الملاحظة سنذكر الحيثيات القريبة من الأرقام المطلوبة، إذا كانت زاوية الارتفاع أقل قليلاً من 5° ولكن زاوية الانفصال 7° أو أكبر؛ أو العكس إذا كانت زاوية الانفصال أقل قليلاً من 7° ولكن زاوية الارتفاع 5° أو أكبر، ومكث الهلال في الأفق 20 دقيقة أو أكثر.

هناك مرة واحدة فقط حصلت هذه الحالة في كل الفترة. إن حيثيات ليلة 1 رمضان 1417 الموافق ليوم 9-1-1997 لا توفي بشرط زاوية الانفصال؛ فالمطلوب 7° والموجود 45' 6°، أي أقل بـ 15 دقيقة قوسية من المطلوب، ولكن زاوية الارتفاع كانت أكبر مما هو مطلوب (24' 5°)، كما مكث الهلال في الأفق 29 دقيقة، ولكن وجه القمر Moon phase (ذلك الجزء المضاء منه) كان مقداره 45,0%. ومع ذلك اخترت يوم 10-1-1997 كبداية لشهر رمضان لأن يوم 9 يناير يكاد يوفي بجميع الشروط. إنني أعلم تمام العلم أن هناك من يجادل ويفتح بابًا للعد التنازلي للزاويتين. وربما يكون له ذلك، ولكن ما هو الحد الذي يجب أن يقف عنده شخص ما؟

اسْتُخْدِمَ برنامج: TheSky6 Professional Astronomy Software, Version 6.0.0.33, year 2005 لحساب كل حيثيات الجدول السابق.

الـهـوامـش