• Click Here to Read Papers about Crescent Visibility and Prayer Times
  • Click Here to see the Crescent World Records

International Astronomical Center

مارا: وقت صلاة العصر




حقوق الطبع لهذا البحث محفوظة للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة © 2007

المواد غير قابلة لإعادة النشر دون إذن مسبق


 نحو وعي فلكي

 

 

 

 

 

 

وقت صلاة العصر

نقد معيار طريقة الحساب الفلكية المعاصرة

و عرض معيار بديلـ صحيح ميسرـ

 

 

 

 

 

جلال الدين خانجي

دكتور دولة في العلوم

عضو مؤسس للإتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

مستشار علمي في دار الآثار الإسلامية - الكويت

 

 

 

 

 

 

 

بحث مقدم لمؤتمر الامارات الفلكي الاول

" تطبيقات الحسابات الفلكية "

أبو ظبي – الامارات العربية المتحدة

في الفترة   1516   ذو القعدة 1427 هـ،  الموافق  6–7   ك1 / ديسمبر 2006 م

 

 

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

قال تعالى:

 

( الشمسُ والقمرُ بحُسبَان )

                                                                                            (الرحمن: 5)

 

( وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ

فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً

لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا )

                                                                                           ( الإسراء: 12)

 

 

 

قال النبي صلى الله عليه وسلم:

 

  ( إن خيــــــار عبــــاد الله الذين يــراعون

الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله )

 

                                                               ( رواه الطبراني والحاكم وصححه وأقره الذهبي)

 

 

 

خلاصة عن البحث

 

جرت عادة متأخري فقهاء المذاهب المختلفة بتعريف أول وقت العصر بقولهم:( إذا صار ظل الشيء مثله سوى ظل الزوال)، ويحسب وقت العصر في أيامنا هذه وفق هذا المعيار بعد أن يصاغ حسابياً.    

والتأمل في نتائج الحسابات (وفق هذا المعيار) للأمكنة المختلفة والفصول المختلفة، يظهر توزيعاً مختلاً لمدة النصف الثاني من النهار( من الزوال إلى الغروب) على وقتي الظهر والعصر، حيث يختلف وقت الظهر عن وقت العصر بمقدار الثلث أحياناً في عروض البلدان المعتدلة( من خط الاستواء إلى خط عرض 40) ويصل الاختلاف إلى أكثر من ضعفين في العروض المرتفعة( بعد خط عرض 50).

هذا الاختلال في التوزيع دعانا إلى إعادة النظر في معيار الحساب(إذا صار ظل الشيء مثله سوى ظل الزوال) والبحث عن أصله ونشأته وإلى نقده واقتراح بديل عنه، وهو ما يشكل جوهر هذا البحث.

لدى عودتنا إلى النصوص الأصول تبين أن مواقيت الصلوات، ومنها أول العصر، حددت من حديث (إمامة جبريل) والتي حدثت في اليوم التالي للإسراء والمعراج، وفي مكة المكرمة صيفاً، حيث ينعدم الظل عند الزوال، وكان أول العصر( حيث الظل يساوي  قامة كما بيّن الحديث) مع بداية الربع الرابع من النهار.

واستمرت هذه الحال في التعيين خلال القرنين الأول والثاني، حيث حده أبو حنيفة وأحمد بقولهم: الظل قامة من غير تفريق بين الشتاء والصيف، وكان مالك يصف الشمس(أول العصر) ولا يحد( الظل قامة) والوصف صالح للصيف والشتاء، وفرق الشافعي بين الصيف والشتاء ، فحدَّ في الصيف: الظل قامة، وترك الأمر للتقدير في الشتاء ، قياساً على الصيف.

إضافة عبارة ( سوى ظل الزوال) على التعبير النبوي ( ظل كل شئ مثله) بقصد تعميمه صيفاً وشتاءً وفي كل العروض، لم تظهر إلا في القرن الرابع، في أقوال تابعي المذاهب الفقهية المختلفة وبشكل متتابع، وذلك بعد ظهورها في كتابات الفلكيين اعتباراً من القرن الثالث. وقد فسرت هذه الإضافة بطريقتين مختلفتين، ظهرت الثانية منهما مع نهاية القرن الرابع وخلال قرنين من الزمان، وبعدها تفردت الطريقة الأولى في القرون المتأخرة وهي التي يؤخذ بها في الحسابات اليوم.

المعيار المستخدم حالياً(...إذا صار ظل الشيء مثله سوى ظل الزوال ) هو تقدير لأول وقت العصر صالح لكل زمان ومكان، ولكن عدم ظهوره في آثار وأخبار القرون الثلاثة الأولى، والاختلاف في تفسيره بعد القرن الرابع، وإفضاؤه إلى شذوذات في توزيع نصف النهار على وقتي الظهر والعصر وخاصة في العروض المرتفعة، نقول كل هذه الاعتبارات دعتنا إلى اقتراح معيار بديل يتوافق مع التحديدات النبوية لأول العصر وينسجم مع فعل الصحابة و أقوال الأئمة الأربعة ويزيل الشذوذات المذكورة أعلاه، محققاً توزيعاً متساوياً لنصف النهار بين الظهر والعصر.

معيار تساوي وقتي الظهر والعصر ليس بدعا من القول، فهو قول معروف عند الحنابلة، ونقل عن بعضهم الاجماع عليه، وله مؤيدات عند الشافعية، وعلى كل حال فإن مسألة المعيار التي نبحثها، ليست مسألة فقهية بالمعنى الاصطلاحي للكلمة حتى تكون من اختصاص الفقهاء حصرا، وإنما هي مسألة كونية، متروكة لاجتهاد العارفين بالمسألة، فقهاء كانوا أم فلكيين أم سواهم. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكل السائل عن المواقيت إلى اجتهاده في التقدير، بأن يصلي أمامه ومعه وبدون بيان قولي، ولم يشترط فيه الفقه والعلم والمعرفة بالسنة.

التقدير الذي استخدمه ويستخدمه الحاسبون المعاصرون وأغلبهم فلكي أو عارف بالفلك، قد اقتبسوه من عبارات الفقهاء( فقهاء ما بعد القرن الثالث )، والذين هم بدورهم أخذوه من تعبيرات فلكيي القرن الثالث، ونحن عندما نعيد النظر في هذا التقدير ونقترح بديلا، كما نفعله في هذا البحث، نفعل ما فعله فلكيو القرن الثالث، الذين اجتهدوا فقدموا تقديرا يلاءم المناطق الجغرافية التي كان يعيش فيها المسلمون آنذاك( في المناطق المعتدلة وصولا إلى خطوط العرض 45 تقريبا)، فنقدم مجتهدين بديلا يناسب ظروف المسلمين اليوم ( وخاصة في العروض الكبيرة )، وهو في نفس الوقت أكثر انسجاما مع السنة النبوية من جهة، ومع فعل السلف في القرون الأولى وآراء أئمة المذاهب المشهورة المتبعة من جهة ثانية.

خلاصة المعيار الجديد:هو جعل صفة أول العصر في واقعة إمامة جبريل( وهي أن العصر يبدأ مع بداية الربع الرابع من النهار، أي في الساعة 9 غروبية، أي يتساوى وقتا الظهر والعصر) أقول: جعل الصفة عامة في كل الأمكنة والأزمنة، وهذا يؤول إلى تساوي وقتي الظهر والعصر في كل الأمكنة والفصول.

 

خلاصة عن الباحث

 

الدكتور المهندس جلال الدين خانجي ( سوري الأصل من مواليد 1946 ومقيم حالياً في الكويت )

 

v                دكتوراه دولة في العلوم الفيزيائية ـ فرنسا، اختصاص هندسة ـ 1975.

v                أستاذ جامعي سابق في كلية الهندسة – جامعة حلب – سوريا  1975 .

v                عضو مؤسس للجمعية السورية لتاريخ العلوم وعضو في مجلس إدارتها سابقاً.

v                عضو لجنة الفلك الشرعي في مديرية أوقاف حلب( رصد الأهلة وتحديد المواقيت).

v               عضو مؤسس للاتحاد الفلكي العربي لعلوم الفضاء والفلك عام 1998.

v               عضو لجنة الأهلة والمواقيت في الإتحاد الفلكي العربي لعلوم الفضاء والفلك.

v               عضو في المشروع الإسلامي لرصد الأهلة – مارا (ICOP ).

v               مدرس دورات علم الفلك الشرعي للخطباء والأئمة في وزارة الأوقاف في الكويت.

v               مستشار علمي لدار الآثار الإسلامية ( متحف الكويت الوطني ) 2002.

v                مستشار هندسي في المؤسسة العامة للرعاية السكنية-إدارة التخطيط - الكويت 2004.

v                العنوان: دولة الكويت – المؤسسة العامة للرعاية السكنية

          بريد الكتروني:  khjalal@yahoo.fr

 هاتف:     نقال 6800235 (965)

             عمل  5301245 (965) 

             منزل 2455021 (965)

 فاكس:            5301495 (965)

v              المشاركة في المؤتمرات المحلية والعالمية ببحوث علمية وفلكية وتراثية وفقهية، منها:

o        مدخل إلى مفهوم الدورة الهيدرولوجية عند العرب المسلمين-المؤتمر السنوي الثاني لتاريخ العلوم عند العرب- معهد التراث العلمي العربي، حلب، سوريا 1978

o        المنهج التجريبي عند شيخ الإسلام ابن تيمية-  المؤتمر السنوي الثالث لتاريخ العلوم عند العرب- معهد التراث العلمي العربي، حلب، سوريا 1979.

o        حركة الظلال وتحديد خط نصف النهار (ملاحظات واستنتاجات)- المؤتمر الثاني حول العلوم والتكنولوجيا العربية الإسلامية- عمان، الأردن، 1998.

o        فقه الكسوف فلكياً وشرعياً- بالاشتراك مع الدكتور الشيخ محمود عكام- بمناسبة كسوف آخر القرن العشرين- حلب، سوريا،1999.

o        حركة الظلال وتحديد خط الزوال (دراسة تاريخية تطورية) – المؤتمر السنوي العشرون لتاريخ العلوم العربية- معهد التراث العلي العربي، حلب، سوريا، 1999.

o        أوائل الشهور العربية بين إشكالية التحديد وأمل التوحيد- الندوة الفلكية السنوية السادسة(التطبيقات الفلكية في الشريعة الإسلامية)- عمان، الأردن، 1999.

o      من تاريخ علم الفلك العربي و أعلامه في العهد العباسي(دراسة إحصائية مقارنة)-الندوة العالمية السابعة لتاريخ العلوم عند العرب- العين، الإمارات العربية المتحدة، 2000.

o        من تاريخ علم الفلك العربي و أعلامه في العهد العثماني(دراسة إحصائية مقارنة)- المؤتمر العربي الرابع لعلوم الفضاء والفلك- جامعة آل البيت، الأردن، 2000.

o      من تاريخ علم الفلك العربي و أعلامه في العهد المملوكي(دراسة إحصائية مقارنة)- المؤتمر السنوي الثاني والعشرون لتاريخ العلوم - معهد التراث العلي العربي- حلب، سوريا، 2001.

o        المراصد الفلكية في الحضارة العربية الإسلامية(نشأتها، تطورها، تأثيراتها) - معهد التراث العلي العربي، حلب، سوريا، 2001.

o        علم الميقات في حلب الشهباء(تاريخه، أعلامه، أدواته)- جمعية العاديات بحلب، سوريا، 2001.

o        ابن حزم الأندلسي وعلم الهيئة من خلال موسوعته المحلى- الندوة الدولية عن ابن حزم- معهد التراث العلي العربي، حلب، سوريا، 2002.

o         تقييم نسب الخطأ في تحديد تواريخ المناسبات الدينية في سوريا- المؤتمر الفلكي الإسلامي الثاني(التطبيقات الفلكية في الشريعة الإسلامية)- عمان، الأردن، 2001.

o        القبة الفلكية بين التراث والمعاصرة (عباس بن فرناس أنموذجا) - معهد التراث العلي العربي(بالاشتراك مع رائد الفضاء السوري محمد فارس)- حلب، سوريا، 2002.

o      صحة بيئة المساكن وهندستها في تراثنا(عند أبي زيد البلخي –322 هـ)- الندوة العالمية للتنمية العمرانية في المناطق الصحراوية، الرياض، المملكة العربية السعودية، 2002.

o        . القبلة وتحديدها بين الفقه والفلك والهندسة- المؤتمر الفلكي الاسلامي الثالث- (التطبيقات الفلكية في الشريعة الإسلامية)- عمان، الاردن، 2003 .

 

 

 

 

 

وقت صلاة العصر

نقد طريقة الحساب الفلكية المعاصرة وعرض بديل صحيح ميسر

 

مخطط البحث

 

                  مقدمة                                                      الصفحة

1.              وقت صلاة العصر في السنة النبوية                    8

2.              وقت صلاة العصر في تعبيرات الفقهاء                 9

3.              وقت العصر ومفهوم (سوى ظل الزوال)              10

4.              طريقة الحساب الفلكية المعاصرة                       13

5.              مشاكل الطريقة وشذوذاتها                               14

6.              التقدير البديل المقترح                                     16

7.              ميزات التقدير المقترح                                    18

8.              مناقشة البديل المقترح                                    19

       خلاصة وتوصيات

       مصادر ومراجع ومواقع

 

 

                  

                   ملحقات

 

1.              ملحق فلكي – ظل الزوال وتغيره                      25

2.              ملحق في الآثار المرفوعة                              33

3.              ملحق في الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين 40

4.              ملحق في أقوال الائمة المجتهدين                     42

5.              ملحق في أقوال أتباع الائمة                            45

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

 

       الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد

       فالحضارة في جوهرها تنظيم للزمان والمكان اللذين يحيا فيهما الإنسان، ويمارس أفعاله ونشاطاته. وكان من حكمة الله عز وجل أن جعل من العبادات الشرعية عبادات موقوتة، وسهل للإنسان تعلم مواقيتها وضبطها، فجعل الشمس والقمر حسبانا، ليعينه على معرفة عدد السنين والحساب.

       وضبط العبادات بالمواقيت من أهم سمات العبادات الإسلامية، فلا تكاد تخلو عبادة من مواقيت ( صلاة، صيام، زكاة، حج... ) تنظم التكاليف قبل العبادة وخلالها وبعدها.

والصلاة في الإسلام عماد الدين، وشاءت إرادة الله عز وجل أن تكون " كتابا موقوتا" ، فقد كتبت على المسلمين من فوق سبع سموات، في ليلة الإسراء والمعراج، فكانت خمس صلوات في اليوم والليلة، وحددت أوقاتها في صبيحة الليلة البهية ( ليلة الإسراء والمعراج ) حيث نزل جبريل عليه السلام وأمَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه، في عشر صلوات متواليات على مدى يومين متتالين، في بدايات أوقات الصلوات الخمس ونهاياتها، ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين.

حادثة (إمامة جبريل) حادثة فريدة مدهشة، وهي ترسي القواعد الأساسية في تقدير المواقيت في عبادة من أهم عبادات الإسلام، بل أهمها على الإطلاق بعد الشهادتين، وقد روى هذه الحادثة بتفاصيلها النبيُ صلى الله عليه وسلم وعدد كبير من الصحابة والتابعين وبات يعرف حديثها في كتب السنن ب(حديث إمامة جبريل).

وقد عُني النبيُ صلى الله عليه وسلم،  بعد كتبِ الصلاة وتحديد مواقيتها، ببيان ذلك وتفصيله لكل سائل وطالب، ونقلت عنه عشرات الأحاديث في موضوع المواقيت، تحليلا وتأصيلا وتعليما وتفصيلا.

هذه الكثرة من الأحاديث تناقلها الصحابة والتابعون وتفاعلوا معها ونظموا من خلال فهمهم لها مواقيت صلواتهم، ومع أواخر القرن الثاني – بداية عهد التدوين – بدأت تظهر المدونات الحديثية والفقهية للمدارس التي سوف تكتسب شهرة وقبولا بين المسلمين في القرون التالية، وقد تناولت هذه المدونات المواقيت تحديدا وتعريفا وتأصيلا ، مستخدمة نصوص الآثار المرفوعة والمفاهيم الفلكية السائدة لمعرفة المواقيت في بقاع الأرض المختلفة.

وكان حظ ُوقت صلاة العصر من اهتمامات الفقهاء وافراً، ودارت بينهم حوارات وخلافات حفلت بها بطون كتب الفقه وشروح الحديث.

وقد اعتمد الحاسبون والميقاتيون في عصرنا الراهن على تعريفات وتحديدات متأخري الفقهاء في المذاهب المشهورة المعتبرة، واعتبروها الأساس في حساباتهم، وأنشئوا من خلالها برامجهم المختلفة والموجود أكثرها في المواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية.

 

وأصل هذا البحث ملاحظةُ أن تطبيق هذه البرامج- والموضوعة أساسا على التحديد الفقهي المشهور: أول العصر صيرورة ظل كل شئ مثله سوى ظل الزوال، يعطي قيما لوقتي الظهر والعصر في العروض الكبيرة يكتنفها تفاوت كبير بين الوقتين يصل إلى حد الإفراط والشذوذ.

هذا الشذوذ في توزيع وقتي الظهر والعصر كان الدافع الذي قادنا إلى إجراء حفريات تغوص عمقا في نصوص الفقهاء، وصولا إلى الآثار الموقوفة على الصحابة الكرام والتابعين ومنها إلى الآثار المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

تلك الحفريات عمقا كان هدفها البحث عن أصل ونشأة مفهوم سوى ظل الزوال وكيف آل إلى كتب الفقهاء متقدميهم ومتأخريهم.

معرفة الأصل والنشأة سمحت لنا أخيرا بصياغة اقتراح جديد بديل لتحديد وقت العصر.

 

وقد عرضنا البحث وفق الفصول التالية:

·       وقت العصر في السنة النبوية وخاصة حديث امامة جبريل، ام أحاديث الباب كما يسميه الفقهاء.

·       وقت العصر في تعبيرات الفقهاء ابتداء من أوائل القرن الثالث الى العصور المتأخرة.

·       مفهوم (سوى ظل الزوال)، توصيفه و وروده في القرون الاولى ومعانيه المختلفة.

·       طريقة الحساب الفلكية المعاصرة، والمعيار التي تعتمد عليه، والشذوذات التي يؤدي اليها اعتماد المعيار المتبع.

·       التقدير البديل المقترح، وميزاته و مناقشته.

وأخيرا ختمنا بخلاصة للبحث وبتوصيات نراها ضرورية ولازمة.

ونذكر بأن أصل هذا البحث كان قد قدم في المؤتمر الفلكي الإسلامي الرابع "التطبيقات الفلكية في الشريعة الإسلامية"، في عمّـان – الأردن، في الفترة 14– 16 آب/ أغسطس 2006 م /  20 – 22 رجب 1427 هـ، وعرض هناك بصورته النظرية التفصيلية، وما نعرضه هنا هو الجانب العملي التطبيقي والذي يهم الحاسبين والميقاتيين، ولذلك أعرضنا عن التفصيلات والتفريعات، ولكن رغبة منا في تسهيل الرجوع اليها عند الحاجة وخاصة انها لم تنشر بعد وتعمم، فقد عرضناها في صورة ملاحق اضافية في نهاية البحث الحالي.  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1.  وقت صلاة العصر في السنة النبوية

 

كانت الصلاة في الإسلام " كتابا موقوتا" ، وقد كتبت على المسلمين من فوق سبع سموات، في ليلة الإسراء والمعراج، فكانت خمس صلوات في اليوم والليلة، وحددت أوقاتها في صبيحة تلك  الليلة حيث نزل جبريل عليه السلام وأمَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه، في عشر صلوات متواليات على مدى يومين متتالين، في بدايات أوقات الصلوات الخمس ونهاياتها، ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم  فقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين.

حادثة (إمامة جبريل) ترسي القواعد الأساسية في تقدير المواقيت وقد روى هذه الحادثة بتفاصيلها النبيُ صلى الله عليه وسلم وعدد كبير من الصحابة والتابعين وبات يعرف حديثها في كتب السنن ب(حديث إمامة جبريل).

وخلاصة الحديث المتعلقة بوقتي الظهر والعصر كما رواه الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( قال‏:‏ ‏"‏أمَّني جبرائيل عند البيت مرتين‏:

    فصلى الظهر في الأولى منهما،‏ حين كان الفيء مثل الشراك،

    ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثلَ ظله،....)

وقد عُني النبيُ صلى الله عليه وسلم،  بعد كتبِ الصلاة وتحديد مواقيتها، ببيان ذلك وتفصيله لكل سائل وطالب، ونقلت عنه عشرات الأحاديث في موضوع المواقيت، تحليلا وتأصيلا وتعليما وتفصيلا.

والمتأمل في الملحقين الاول( ظل الزوال وتغيره ) والثاني ( وقت العصر في الآثار المرفوعة ) يستخلص الملاحظات التالية:

·    أول وقت الظهر هو الزوال وقد عبر عنه بألفاظ مختلفة منها: (زالت، مالت، زاغت)، وكلها تشير إلى نفس المعنى(= الزوال ).

·   ذكر بعض الرواة وصفا للظل وقت الزوال( وقت حدوث الإمامة ) وهو قولهم:(الفئ مثل الشراك، الفئ بقدر الشراك) وهذا الوصف يعني أن ظل الزوال كان معدوما وقتئذٍ، وهذا القيد ( الوصف لظل الزوال ) بالغ الأهمية إذ انه ينبئنا عن الوقت من السنة التي حدثت فيه الإمامة.

·   من الملاحظة السابقة يتبين لنا أن نزول جبريل وإمامته حدثت في فصل الصيف في مكة المكرمة حيث يكون ظل الزوال صغيرا مهملا أو معدوما.

·   ظل الزوال في مكة المكرمة ينعدم في يومين من السنة، 28 أيار– مايو  و 15 تموز- يوليو، فتكون إمامة جبريل حدثت في أحد هذين اليومين أو حولهما.

·   اختلف التعبير عن أول العصر: ( كل شئ مثل ظله، كان فيئي مثلي، كان الفئ قامة...)، وكل أشكال التعبير هذه تعني أن ارتفاع الشمس أول العصر 45 درجة، ولما كانت الشمس عمودية وقت الزوال ( لانعدام الظل وقتئذٍ )، فإن أول العصر يتوافق مع بداية الربع الرابع من النهار وبتقريب ممتاز.

·       الملاحظة السابقة تعني أن وقتي الظهر والعصر متساويان وكل منهما يساوي ربع النهار.

 

2.  وقت صلاة العصر في تعبيرات الفقهاء

 

تعريفُ أول ِالعصر عند جمهور الفقهاء آل إلى العبارة التالية:(أول العصر إذا صار ظل كل شئ مثله سوى ظل الزوال)، أو ما يقاربها و يماثلها. وهذا التحديد محاولة في جعل النص النبوي( ظل كل شئ مثله)- الدقيق التعبير عن صيف مكة المكرمة- عاما وصالحا لكل أوقات السنة في مكة، وفي العروض المختلفة حيث لا ينعدم ظل الزوال.

وقد حاولنا تتبع ظهور العبارة (سوى ظل الزوال ) في أدبيات القرن الثالث وما بعده، كما بيناه في الملحق الخامس ( وقت العصر في أقوال أتباع الائمة )، وخلاصة الامر ما يلي:

ظهر معنى العبارة (سوى ظل الزوال ) في كتابات الفلكيين أولا، منهم:

1.  ابن قتيبة الدينوري( - 276 هـ) في كتاب الأنواء: ( فأما البلد الذي تزول الشمس وللشخص فيه ظل، فانه يعرف قدر الظل الذي زالت عليه، وإذا زاد عليه مثل طول الشخص فذاك آخر وقت الظهر وأول وقت العصر) ص145.

2.  أبو حنيفة الدينوري ( - 282 هـ) في كتاب الزوال: ( فالزوال أول وقت الظهر، فمن أراد علم أول وقت العصر نظر كم ظل الزوال في اليوم الذي هو فيه، والبلد الذي هو فيه، ثم زاد عليه سبعة أقدام، ثم رصد الفئ حتى يصير مثل ذلك، فذلك أول وقت العصر).

وابتداء من القرن الرابع بدأت تظهر عبارات في كتابات الفقهاء تشير بشكل واضح إلى مفهوم (سوى ظل الزوال )، منهم:

3.  عبد الله بن الجلاب المصري( - 378 هـ) في كتابه التفريع في باب مواقيت الصلاة: ( وآخر وقتها، إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وهو أول وقت العصر ) ج1، ص219.

4.  أبو طالب المكي( - 386 هـ ) في كتابه قوت القلوب من كتاب معرفة الزوال: (فإذا قام الظل فاستقبل الشمس بوجهك ثم مر إنساناً يعلم طرف ذلك بعلامة ثم قس من عقبك إلى تلك العلامة فإن كان بينهما أقل من سبعة أقدام سوى ما زالت عليه الشمس من الظل فإنك في وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر حتى يزيد الظل على سبعة أقدام سوى ما تزول الشمس عليه من الظل فذلك وقت العصر)

5.  أحمد بن محمد القدوري( - 428 هـ) في كتابه الكتاب، والذي شرحه عبد الغني الميداني في الكتاب المشهور عند الحنفية( اللباب في شرح الكتاب): ( وآخر وقتها عند أبي حنيفة إذا صار ظل كل شئ مثليه سوئ فئ الزوال ..) ج1، ص71.

6.  محمد بن أبي موسى الهاشمي( - 428 هـ) في كتابه الإرشاد إلى سبيل الرشاد، في باب أوقات الصلاة: (.. وآخر وقتها- صلاة الظهر- أن يصير ظل كل شئ مثله، بعد مازالت عليه الشمس من الظل) ص49.

7.  ابن حزم الأندلسي( - 456 هـ) في كتابه المحلى، في المسألة 235 من أوقات الصلاة: ( .. ثم يتمادى وقتها إلى أن يكون ظل كل شئ مثله، لا يعد في ذلك الظل الذي له في أول زوال الشمس، ولكن ما زاد على ذلك).

8.  النووي ( - 676 هـ) في كتابه روضة الطالبين، في الباب الأول في المواقيت: ( ويخرج وقتها إذا صار ظل الشخص مثله سوى الظل الذي كان عند الزوال ).

 

 

والخلاصة الانفة الذكر تفضي الى الملاحظات التالية:

v   أول ظهور للعبارة  عند ابن الجلاب ( مالكي ).

v   أوضح عبارة عند القدوري ( حنفي ).

v   سبق الفلكيين في التعبير عن المفهوم ومنذ أواخر القرن الثالث.

 

ونذكر بأن جمهور الفقهاء على أن أول العصر عند صيرورة ظل كل شئ مثله، وما ينسب الى أبي حنيفة رضي الله عنه من مخالفة الجمهور في أحد قوليه (أول العصر عند صيرورة ظل كل شئ مثليه ) غير دقيق في تقديرنا، ولنا فيه تأويل مختلف، بيناه في نهاية الملحق الرابع فلينظر ثَم، ويكون الفقهاء في المذاهب الاربعة وغيرها متفقين بلا خلاف على أن أول وقت العصر اذا صار ظل كل شئ مثله. 

 

3.  وقت صلاة العصر ومفهوم ( سوى ظل الزوال )

 

يمكن تلخيص النقاط المثارة في الفصل الثاني ( صلاة العصر في تعبيرات الفقهاء) كما يلي:

a.    المفهوم محاولة تقديرية لتحديد أول وقت العصر في:

1.          شتاء مكة والمدينة.

2.          كل العروض التي لا ينعدم فيها ظل الزوال.

b.    توصيف المفهوم

                                                             i.      التعبير النبوي (ظل كل شئ مثله) خاص يصلح في صيف مكة فقط.

                                                          ii.      التعبير الفقهي (ظل كل شئ مثله سوى ظل الزوال) يصلح:

1.    صيفاً وشتاءً في مكة والمدينة.

2.    كل السنة في كل العروض.

                      iii.   يقوم على تقدير عقلي لقياس وقت العصر في كل العروض وكل الأزمنة على وقت العصر في مكة صيفاً(إمامة جبريل).

                      iv.   قال الزركشي في شرحه على مختصر الخرقي: ولابد أن يلحظ في قوله (إن آخر الوقت إذا صار ظل كل شئ مثله) بعد فئ الزوال، وذلك أن الشمس إذا زالت يكون للشئ ظل في غالب البلاد فيعتبر مثل ذلك الشئ سوى ذلك الظل.

c.     ورود المفهوم في القرون الأولى

                                                             i.      لم يرد في القول النبوي( وصف إمامة جبريل ).

                                                          ii.      لم يرد في قول الصحابة لدى وصفهم إمامة جبريل أو إجابة السائلين.

                                                       iii.      لم يرد في أقوال وتوصيفات التابعين.

                                                       iv.      لم يرد في أقوال الأئمة الاربعة المجتهدين.

 

d.    بداية ظهوره

بدأ ظهوره بعد فترة الأئمة المجتهدين وهو أحد طرائق التقدير الذي أشار إليه الشافعي في غير فصل الصيف.

 

 

e.     معانيه

من خلال التدقيق في الكتب المبسوطة في الفقه( الشروح والحواشي والمبسوطات) لحظنا معنيين اثنين للأشكال المختلفة من الاستثناء( سوى ظل الزوال ):

·       أولها ثابت ومستقر ومتكرر ظهوره على مدى القرون، وأكاد اسميه المعنى الأصلي للاستثناء، وهو المستخدم اليوم في حسابات المواقيت في البرامج المختلفة( جداول ومواقع على الشبكة العنكبوتية)، كما سنوضحه في الفقرة التالية، وصورة هذا المعنى يوضحه الشكل التالي:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


·       والمعنى الثاني والذي يبينه الشكل التالي، وقد ظهر في بعض كتابات الفقهاء وشروحهم اعتبارا من القرن الرابع مع ابن أبي زيد القيرواني ( - 386 هـ) إلى القرن الثامن ، ويلخص الجدول رقم (1) عبارات العلماء الموحية بالمعنى الثاني الذي ذكرنا.

 

 

 

نصوص الفقهاء في التفسير الثاني للاستثناء ( سوى ظل الزوال )

المؤلف

الوفاة

     الكتاب

النص

القيرواني

386

النوادر والزيادات

فلا يزال ينقص حتى يقف على ظل نصف النهار ثم يزيد، فمن ثََم يقاس ذراع

البغدادي

422

التلقين

ويعتبر ذلك من وقت تناهي نقصانه وأخذه في الزيادة لا من أصله

الغزالي

505

الوسيط

صار ظل الشئ مثله من موضع الزيادة

البغوي

516

التهذيب

صار ظل الخشبة مثلها من موضع العلامة لا من أصل الخشبة

السمرقندي

552

التحفة

صار ظل العود مثليه من رأس الخط لا من أصل العود

الكاساني

587

البدائع

صار ظل العود مثليه من رأس الخط لا من العود

ابن تيمية

728

شرح العمدة

الظل وقت الزوال يكون مستقيما، فإذا انحرف بقدر الشاخص فهو آخر الوقت

محمد بن محمود

786

العناية شرح الهداية

صار ظل العود مثليه من رأس الخط لا من أصل العود خرج وقت الظهر

 

جدول رقم (1)

 

4.  طريقة الحساب الفلكية المعاصرة – معيار أول وقت العصر

 

جرت عادة الدارسين والحاسبين للمواقيت في عصرنا الحاضر على استخدام معيار لضبط أول العصر يتوافق مع قول الفقهاء: ( ...وآخر وقتها، إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وهو أول وقت العصر )، ويتوافق مع تفسير الفقهاء لمفهوم ( سوى ظل الزوال ) بالمعنى الأول الذي اشرنا إليه في الفقرة e ، ونذكر منهم على سبيل المثال:

 

·       حسين كمال الدين، 1976 م، تحديد الشرع لمواقيت الصلاة، مجلة البحوث العلمية.

·        محمد الياس، 1984 م، Islamic Calendar, Times&Qibla, Berita Publishing

·        صالح العجيري، 1989 م،الجدولة الشاملة للمواقيت، ندوة الأهلة والمواقيت- الكويت.

·        عوني محمد الخصاونة، 1999 م، تطبيقات علم الفلك في الشريعة الإسلامية، الأردن.

·       محمد عودة، 2001 م، برنامج المواقيت الدقيقة، الجمعية الفلكية الأردنية.

·       حسن بيلاني، 2001 م، حساب مواقيت الصلوات- دراسة جيوديزية.

·        عبد القادر علي ابسيم، 2003 م، حساب مواقيت الصلاة في الجماهيرية العظمى.

 

 فبعد حساب وقت الزوال( وقت الظهر )، يحسب ظل الزوال في اليوم المعتبر لواحدة الأطوال، ثم يحسب الوقت الموافق لظل مقدر بالعلاقة التالية:

 

                             ظل العصر = وحدة الأطوال + ظل الزوال

 

وقد تعطي مواقع الحسابات خيارا موسعا آخذا بعين الاعتبار الاجتهادات المذهبية ( رأي الجمهور والرأي المعتمد عند الحنفية وهو قول أبي حنيفة بالمثلين )، كما هو الحال في المواقع الإسلامية التي تقدم خدمة حساب مواقيت الصلاة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

 

·       موقع الإسلام( السعودية)- يقدم المواقيت حسب الاختلاف في وقت صلاة العصر، (شافعي = الظل قامة) و( حنفي = الظل قامتان).

·       موقع نداء الإيمان – يقدم المواقيت حسب المذهب ( شافعي، حنفي ).

·       برنامج المواقيت الدقيقة( المهندس محمد عودة) – يقدم المواقيت حسب ( حنفي، عام ).

 

 

 

 

 

 

5.  مشاكل الطريقة وشذوذاتها!

 

الحسابات وفق مفهوم(سوى ظل الزوال)، كما تقدمها المواقع والبرامج المذكورة أعلاه، تفضي إلى توزع المدة بين الزوال والغروب على وقتي الظهر والعصر في شتاء مكة المكرمة، بشكل  يخالف التوزع في الصيف( إمامة جبريل)، كما يبين الشكلان أدناه:


 

 

 ويصبح التوزع غريبا شاذا في العروض الكبيرة( فوق 50 درجة ) حيث يكون لظل الزوال قيم كبيرة تجاوز مرات طول الشاخص، والشكل أدناه، والذي يعطي نسبة وقت الظهر إلى وقت العصر في الشتاء بدلالة خط عرض المكان، يظهر التوزع المغاير للتوزع المتساوي في إمامة جبريل بشكل واضح، ويصل التغاير إلى حد الشذوذ  كلما توجهنا نحو الشمال، وكان هذا الشذوذ هو الباعث الأساسي  لبحثنا هذا، والذي قادنا في نهاية المطاف إلى اقتراح بديل شرعي فلكي، مناسب ومقبول.

 

 

 

 

ويمكن أن نستنتج من الشكل أعلاه:

§       عدم تساوي وقتي الظهر والعصر في مكة المكرمة شتاء، خلافا لما هو عليه في الصيف( التساوي في إمامة جبريل ).

§       الاختلال في توزع وقتي الظهر والعصر يزداد بازدياد خط العرض ويصل إلى قيم شاذة في العروض المرتفعة( ما بعد الخمسين ).

 

والاختلال الملحوظ أعلاه ، تؤكده وبوضوح الأشكال التي نشرها حسين كمال الدين في دراسته المشهورة عن مواقيت الصلاة والمنشورة في مجلة البحوث الاسلامية، العدد رقم 3 عام 1397 هـ، وهي الاشكال التي تعطي تغير أوقات الصلاة خلال العام من أجل خطوط عروض مختلفة.

 

 

 

 

6.  التقدير البديل المقترح

 

سنحاول في هذه الفقرة اقتراح بديل عن التقدير السائد اعتباره عند الفقهاء في كتاباتهم، وعند الفلكيين في حساباتهم، محاولين تجنب الشذوذات المعروضة في الفقرة السابقة، مع الانسجام التام مع نصوص السنة النبوية المشرفة، وفعل السلف و التابعين، وآراء كبار المجتهدين في الصدر الأول، وسنعرضه كما يلي:

 

6.1.        وصف حالة(إمامة جبريل):

·       وقت العصر في صيف مكة، يكون الظل = قامة

·       وهذا يعني أن:  وقت الظهر = وقت العصر ( بتقريب ممتاز )

·       ويعني أن أول وقت العصر هي بداية الربع الأخير من النهار

·       أي حسب التوقيت الغروبي:

§       الظهر(الزوال) = الساعة   6   

§       العصر           = الساعة   9

§       المغرب          = الساعة   12

·       استخدم الأوزاعي التوقيت الغروبي بقوله:(كان عمر بن عبد العزيز يصلي الظهر في الساعة الثامنة والعصر في العاشرة حين يدخل).

·       الأوصاف المذكورة أعلاه هي لصلاة جبريل والتي قال عنها جبريل:

     هذا وقتك ووقت النبيين قبلك.

 

6.2.      الاقتراح:

· وقت العصر في كل الأمكنة والأزمنة هو الموصوف بالأوصاف أعلاه:

· وقت العصر = وقت الظهر

· أول وقت العصر هو بداية الربع الأخير من النهار

· و بالتوقيت الغروبي:

o      أول الظهر   الساعة  6

o      أول العصر  الساعة  9

o      أول المغرب الساعة  12

· هذا الاقتراح يؤول إلى استصحاب الصفات الواردة في صلاة إمامة   جبريل (صيف مكة)  لكل الأزمنة والأمكنة.

 

 

 

 

 

6.3.      مسوغ الاقتراح: معيارية توزع الصلوات في يوم إمامة جبريل

 

يمكن اعتبار توزع الصلوات الخمس على الليل والنهار في (إمامة جبريل) توزعا نموذجيا معياريا، يمكن استخدامه في حالتنا لكل الأزمنة والأمكنة، بل ويمكن القياس عليه عندما يختل توزع الليل والنهار في اليوم الواحد اختلالا كبيرا، وعندما تختفي العلامات الفلكية لبعض الأوقات( غياب الشفق وطلوع الفجر)، كما هو الحال في المناطق ذوات العروض العليا( ما يزيد على 50 درجة)، وفي مناطق القطبين حيث يمتد الليل والنهار لأكثر من 24 ساعة، وفي الأيام الطويلة من أيام ظهور الدجال( يوم كسنة ويوم كشهر...).

ومسوغ هذا الاعتبار هو أن حادثة الإمامة هذه حادثة فريدة بعد حادثة فريدة( الإسراء والمعراج )، مدتها طويلة ( على مدى يومين متتالين)، ومشاركة أمين الوحي( جبريل ) بادية ظاهرة للنبي صلى اللّه عليه وسلم ولعموم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وختمت المشاركة بقول جبريل عليه السلام: ( يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين‏).

فجملة هذه القرائن المختتمة بقول جبريل عليه السلام:... وقت الأنبياء من قبلك...، يمكن قبولها مسوغا كافيا لاعتبار توزع الصلوات الخمس في( إمامة جبريل ) توزعا نموذجيا معياريا يستخدم في الحالات العامة، ويقاس عليه في الحالات الخاصة والشاذة.

ويبدو في الشكل التالي توزع أوقات الصلوات في إمامة جبريل(28 أيار أو 15 تموز) كنسب مئوية من الليل ومن النهار.

 

 

 

 

 

ويبدو واضحا أن نسب مدد المواقيت للصلوات هي نسب متدرجة على أسلوب المضاعفات، على الشكل التالي:

1     مثل واحد     : مدة المغرب ومدة الفجر

2     مثلين          : مدة الظهر ومدة العصر

4     أربعة أمثال  : مدة الضحى

6     ستة أمثال    : مدة العشاء

الشكل التالي أدناه يعطينا توزع مدد الأوقات للصلوات المختلفة بأزمان فعلية بالساعات.

7.  ميزات التقدير المقترح

 

·       حل عام لا يفرق بين الشتاء والصيف وصالح لهما

·       حل لا يفرق بين عروض منخفضة أو مرتفعة  وصالح لهما

·       حل يتطابق مع القول والفعل النبويين تماماً في حالة انعدام الظل

·       حل تقديري مقيس على الوصف النبوي في غير الصيف(شتاء وخريف)

·       حل متطابق مع الفعل النبوي في غير الصيف(الشمس مرتفعة نقية)

·       حل منسجم مع أقوال الأئمة الأربعة( أبو حنيفة، مالك، الشافعي، أحمد )

·       حل يضمن التساوي بين وقتي العصر والظهر في كل زمان ومكان

·       حل يتجنب الشذوذات التي تظهر في الحسابات( وفق التقدير السائد) في العروض الكبيرة

·       حل يضمن الاعتدال في توزيع نصف النهار بين العصر والظهر في العروض المرتفعة

 

8.  مناقشة الاقتراح

 

        من مؤيدات هذا الاقتراح أن تساوي وقتي الظهر والعصر هو قول معروف في المذهب الحنبلي، اذ ينقل ابن مفلح الحنبلي في كتابه الفروع (باب المواقيت  ج1 ص404 ) عن القاضي قوله: (وَقْتُ الظُّهْرِ عَلَى مَذْهَبِ أَحْمَدَ مِثْلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ رُبُعُ النَّهَارِ، وَيَبْقَى الرُّبُعُ إلَى الْغُرُوبِ). وهذا القول للقاضي يذكره ابن حجر في فتح الباري عن الحنابلة في معرض الرد على تساوي وقتي الظهر والعصر و يعتبره تساويا تقريبيا، فيقول في الفتح:

( ....وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْمُسَاوَاة ، وَذَلِكَ مَعْرُوف عِنْد أَهْل الْعِلْم بِهَذَا الْفَنّ ، وَهُوَ أَنَّ الْمُدَّة الَّتِي بَيْن الظُّهْر وَالْعَصْر أَطْوَلُ مِنْ الْمُدَّة الَّتِي بَيْن الْعَصْر وَالْمَغْرِب ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ بَعْض الْحَنَابِلَة مِنْ الْإِجْمَاع عَلَى أَنَّ وَقْت الْعَصْر رُبْع النَّهَار فَمَحْمُول عَلَى التَّقْرِيب). ونذكر بأن ذلك المعروف عند أهل العلم بهذا الفن من عدم التساوي سببه استخدامهم لمفهوم ( سوى ظل الزوال ) والذي يفضي الى عدم التساوي المشار إليه.

        ومن المؤيدات أيضا أن الشافعية يبرورن جعل وقت الاختيار لصلاة الضحى ربع النهار الاول، لئلا يخلو ربع من عبادة، فيجعلون صلاة الضحى عبادة أول الربع الثاني، وصلاة الظهر عبادة أول الربع الثالث، وصلاة العصر عبادة أول الربع الرابع، يقول الخطيب الشربيني في مغني المحتاج، الإصدار 1.04 ، كتاب الصلاة ، باب في صلاة النفل: (....والاختيار فعلها عند مضي ربع النهار لخبر مسلم ... ولئلا يخلو كل ربع من النهار عن عبادة).

        ونشير، في سياق المناقشة، إلى أن التقدير بالمعنى الأول والذي استخدمه ويستخدمه الحاسبون المعاصرون وأغلبهم فلكي أو عارف بالفلك، قد اقتبسوه من عبارات الفقهاء( فقهاء ما بعد القرن الثالث )، والذين هم بدورهم أخذوه من تعبيرات فلكيي القرن الثالث كما رأينا في الفقرات السابقة، ونحن اليوم عندما نعيد النظر في هذا التقدير ونقترح بديلا، نفعل ما فعله فلكيو القرن الثالث، الذين اجتهدوا فقدموا تقديرا يلائم المناطق الجغرافية التي كان يعيش فيها المسلمون آنذاك( في المناطق المعتدلة وصولا إلى خطوط العرض 45 تقريبا)، فنقدم مجتهدين بديلا يناسب ظروف المسلمين اليوم ( وخاصة في العروض الكبيرة )، وهو في نفس الوقت أكثر انسجاما مع السنة النبوية من جهة، ومع فعل السلف في القرون الأولى وآراء أئمة المذاهب المشهورة المتبعة من جهة ثانية.

       ونريد أن نؤكد أن مسألة التقدير التي نبحثها، ليست مسألة فقهية بالمعنى الاصطلاحي للكلمة حتى تكون من اختصاص الفقهاء حصرا، وإنما هي مسألة كونية، متروكة لاجتهاد العارفين بالمسألة، فقهاء كانوا أم فلكيين أم سواهم. ودليلنا على هذا أن السائل عن المواقيت والذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكله إلى اجتهاده في التقدير(بأن يصلي أمامه ومعه وبدون بيان قولي ) لم يشترط فيه الفقه والعلم والمعرفة بالسنة.

 

 

 

 

 

خلاصة وتوصيات

 

        خلاصة فلكية

 

1.  ظل الزوال هو أقصر ظل لشاخص قائم على أرض مستوية في يوم ما، ويكون متجها نحو الشمال في المناطق المعتدلة(ابتداء من مدار السرطان) و يتجه جنوبا في نصف الكرة الأرضية الجنوبي(ابتداء من مدار الجدي)، ويختلف اتجاهه بحسب الفصول بين مدار الجدي ومدار السرطان.

2.  يختلف طول ظل الزوال، فيبدو طويلا في الشتاء، قصيرا في الصيف، ويختلف باختلاف الفصول، فيأخذ أكبر طول له في يوم الانقلاب الشتوي، وأقصر طول له في يوم الانقلاب الصيفي.

3.  يختلف ظل الزوال في يوم ما من السنة من نقطة إلى أخرى على سطح الكرة الارضية، فيكون معدوما إذا كانت الشمس عمودية على الأرض وقت الزوال، وذا طول محدد إذا تجاوز خط عرض المكان القيمة ( 23.5 ) ( مدار السرطان)، ويزداد طوله كلما ارتفعنا باتجاه خطوط العرض العليا.

4.  تقع مكة المكرمة على خط عرض 21.5 ، ويكون لظل الزوال في غالب السنة(ثلاثة فصول: الشتاء والربيع والخريف) قيمة معتبرة تصل إلى طول القامة في الشتاء، ويكون متجها نحو الشمال في هذه الفصول، ويكون الظلُ معدومَ القيمة في يومين في السنة، حيث تكون الشمس عموديه تماما على مكة المكرمة وقت الزوال، واليومان هما : 29 أيار- مايو و  15 تموز- يوليو، ومابين هذين اليومين يكون الظل متجها نحو الجنوب وصغير القيمة جدا.

 

    خلاصة حديثية وفقهية

 

5.  حديث إمامة جبريل هو أم أحاديث باب المواقيت، وقد تفاوتت ألفاظ الرواة في عرض الحادثة اختلافا بيناً، وكلها أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحكي ألفاظه في وصف الحادثة والتي حدثت في فصل الصيف في مكة المكرمة حيث يكون ظل الزوال معدوما. وارتفاع الشمس أول العصر 45 درجة، و هو يتوافق مع بداية الربع الرابع من النهار وبتقريب ممتاز. ويكون وقتا الظهر والعصر متساويين وكل منهما يساوي ربع النهار.

6.   كان الغالب في تحديدات الصحابة لأول العصر في العهد المدني بإعطاء وصف للشمس، ولم يعبر بالظلال إلا في حالات قليلة جدا وفي فصل الصيف حصرا.

7.  في فترة الصحابة والتابعين لا يظهر التعبير: الظل قامة أو ظل كل شئ مثله في تحديد وقت العصر إلا نادرا، ويغلب التعبير بذكر أوصاف الشمس، كما كان الحال في المدينة المنورة عند سؤال سائل، ويبدأ التمييز في التحديد بين الصيف والفصول الأخرى.

8.  يحد أبو حنيفة ( - 150 هـ) وقت العصر بصيرورة الظل قامة أو قامتين، وهما روايتان عنه وان غلبت الرواية الثانية في الذكر والاعتبار، والروايتان لا تميزان بين الشتاء والصيف في تحديد وقت العصر.

9.  لا يحد مالك ( - 179 هـ) وقت العصر ولكن يصف الشمس( بيضاء، نقية...) والوصف يصلح للاعتبار في الصيف والشتاء.

10.   يحد الشافعي ( - 204هـ) العصر بقوله: الظل قامة في الصيف، ويقدر في الشتاء، وهو الوحيد بين الأئمة المجتهدين في القرن الثاني الذي ميز في الحد بين الشتاء والصيف، فخص العبارة النبوية: الظل قامة بالصيف، وأحال الأمر إلى التقدير في الفصول الأخرى( الشتاء ...).

11.      يحد أحمد ( - 241 هـ) العصر بقوله: صار ظل كل شئ مثله، وبدون تمييز بين الشتاء والصيف.

12.   العبارة ( سوى ظل الزوال ) أو ما شابهها من عبارات، والتي سترد في أقوال الفقهاء بعد القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا، لم يرد لها ذكر في أقوال الأئمة المجتهدين في القرن الثاني ولا في قول الفقهاء الأربعة المشهورين أصحاب المذاهب المتبعة إلى يوم الناس هذا.

13.   القولان المنقولان عن أبي حنيفة في حد أول العصر ( الظل قامة والظل قامتان ) افتاءان في ظرفين مختلفين، ففي الصيف حيث يكون ظل الزوال معدوما في مكة وصغيرا مهملا في الكوفة، حيث إقامة أبي حنيفة، يكون أول العصر متوافقا مع القول الأول المروي عن الحسن بن زياد( الظل قامة )، وفي الشتاء حيث يكون ظل الزوال في مكة المكرمة مساويا القامة، وفي الكوفة مساويا القامة وشيئا قليلا، يكون أول العصر مع صيرورة الظل قامتين، وهو المتوافق مع القول الثاني ( رواية محمد عن أبي حنيفة ).

14.      أول ظهور للعبارة (سوى ظل الزوال) عند ابن الجلاب(- 378 هـ، مالكي ).

15.      أوضح عبارة عند القدوري (- 428 هـ، حنفي ).

16.      تأخر الشافعية في التعبير إلى الشيرازي، على الرغم من سبق إمامهم في التعبير عن معنى التقدير.

17.      سبق الفلكيون(ابن قتيبة وأبو حنيفة الدينوري) في التعبير عن المفهوم ومنذ أواخر القرن الثالث.

18.  لعبارة ( سوى ظل الزوال ) معنيان أولها ثابت ومستقر ومتكرر ظهوره على مدى القرون، وهو المستخدم اليوم في حسابات المواقيت في البرامج المختلفة( جداول ومواقع على الشبكة العنكبوتية)، كما يشير إلى ذلك الحاسبون، والمعنى الثاني ظهر في بعض كتابات الفقهاء وشروحهم اعتبارا من القرن الرابع مع ابن أبي زيد القيرواني ( - 386 هـ) إلى القرن الثامن.

 

 

 

 

 

 

 

 

       خلاصة المقترح

19.     الاقتراح البديل عن التقدير السائد اعتباره عند الفقهاء في كتاباتهم، وعند الفلكيين في حساباتهم، هو:

a.     وقت العصر = وقت الظهر

b.    أول العصر هو بداية الربع الأخير من النهار

c.     و بالتوقيت الغروبي:

· أول الظهر   الساعة  6

· أول العصر  الساعة  9

· أول المغرب الساعة  12

d.  والاقتراح يؤول إلى استصحاب الصفات الواردة في صلاة إمامة   جبريل (صيف مكة)  لكل الأزمنة والأمكنة.

20.  يمكن اعتبار توزع الصلوات الخمس على الليل والنهار في (إمامة جبريل) توزعا نموذجيا معياريا، يمكن استخدامه في حالتنا لكل الأزمنة والأمكنة، بل ويمكن القياس عليه عندما يختل توزع الليل والنهار في اليوم الواحد اختلالا كبيرا، وعندما تختفي العلامات الفلكية.

 

التوصيات

1.  إعادة النظر في أسلوب تحديد أول صلاة العصر في البرامج الحسابية الحالية، انطلاقا مما يعرضه البحث من رؤى واقتراحات.

2.  ضرورة إعادة النظر في بحث المواقيت في العروض الكبيرة من الأرض، والتي باتت مأهولة مسكونة، لاقتراح حلول فلكية شرعية ميسرة، تنسجم مع ظروف الناس ومع روح الشريعة ومقاصدها.  

3.  ضرورة العودة في حل بعض الإشكالات الفقهية الفلكية إلى النصوص الأولى من السنن والآثار وسبر أغوارها ودراستها دراسة فقهية فلكية مقارنة، متأملة ومتروية، وعدم الاكتفاء بالنصوص الفقهية المتأخرة.

4.  ضرورة اطلاع وتمرس الفلكيين المسلمين بأوليات وافية وكافية من فقه الكتاب والسنة ومن أصول الحديث وأصول الفقه، تمكنهم من حسن ودقة فهم النصوص الحديثية والفقهية، والتي تتناول قضايا فلكية شرعية.

5.  إحياء السنة المندثرة من رعاية الشمس والقمر والنجوم والاظلة لذكر الله، المشار إليها في السنة الصحيحة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الكويت في 30/08/2006

المصادر و المراجع والمواقع

·        المصادر

1.                  القرآن وتفسيره:

·         تفسير الطبري، تفسير القرطبي، تفسير ابن كثير

·         الإتقان في علوم القرآن

2.                  السنة وشروحها

·         صحيح البخاري وصحيح مسلم وصحيح ابن حبان

·         سنن أبي داود وسنن الترمذي وسنن النسائي

·         مصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق

·         الموطأ ومسند أحمد ومسند البزار ومستدرك الحاكم

·         سنن البيهقي وسنن الدارقطني

·         مجمع الزوائد للهيثمي ونصب الراية لأحاديث الهداية للزيلعي

·         شرح معاني الآثار للطحاوي والاوسط لابن المنذر

3.                  الفقه

·         الأم للشافعي، المجموع شرح المهذب للنووي، مغني المحتاج للخطيب الشربيني

·         المغني لابن قدامة، الفروع لابن مفلح

·         المحلى لابن حزم

                          ملاحظة: المصادر لم تذكر طبعاتها لأنها مأخوذة من المواقع الإسلامية على شبكة الانترنيت.

·        المراجع

4.            الأصل، محمد بن الحسن،أبو الوفا الأفغاني،عالم الكتب-بيروت

5.            الاستذكار،ابن عبد البر،سالم عطا،دار الكتب العلمية-بيروت،2002

6.            إفراد المقال في أمر الظلال، البيروني، جمعية دائرة المعارف العثمانية، 1948 م

7.            تأملات فلكية في  حديث إمامة جبريل، د. خانجي، 2006م، مؤتمر الإعجاز الثامن

8.            تطبيقات علم الفلك في الشريعة الإسلامية، م.عوني محمد الخصاونة، 1999م

9.            تعيين مواقيت الصلاة، حسين كمال الدين، مجلة البحوث الاسلامية، عدد 3- 1397 هـ

10.        التفريع،ابن الجلاب المصري،حسين الدهماني،دار الغرب الإسلامي،1987

11.        التلقين، عبد الوهاب البغدادي، وزارة الأوقاف المغربية، 1993م

12.        شرح العمدة، ابن تيمية،خالد المشيقح،دار العاصمة-السعودية،1997

13.        علم الفلك الشرعي ، د.جلال الدين خانجي، ال، محمد2004 م

14.        قوت القلوب، أبو طالب المكي، (المكتبة الشاملة)

15.        الكافي، ابن عبد البر،محمد الموريتاني،مكتبة الرياض الحديثة،1978

16.        كتاب الأنواء، ابن قتيبة،حيدر آباد الدكن،1956م

17.        اللباب شرح الكتاب، الغنيمي، عبد الرزاق المهدي،دار الكتاب العربي،1994م

18.        مختصر اختلاف الع، طارق الجصاص،عبد الله احمد، دار البشائر الإسلامية،1996

19.        مسائل أحمد، صالح،طارق بن عوض، دار الوطن-السعودية، 1999م

20.        مسائل أحمد، عبد الله بن احمد،علي المهنا،مكتبة الدار-المدينة،1986

21.        مسائل احمد، إسحاق بن هانئ،زهير الشاويش،المكتب الإسلامي ،1979

22.        المهذب،الشيرازي، محمد الزحيلي،دار القلم –دمشق،1992

23.        النوادر والزيادات، ابن أبي زيد،عبد الفتاح الحلو،دار الغرب الإسلامي،1999

·        المواقع

24.             إسلامية

·         موقع الإسلام، موقع المحدث

·         المكتبة الإسلامية

·         صفحة البواحث العربية

25.             فلكية

·         المواقيت الدقيقة ،  Accurate Times  

·         Astronomy and Islam

·       Sun O'clock

 

 

 

 

 

ملحقات

 

 

 

 

                                                                                    صفحة

1.         ملحق فلكي – ظل الزوال وتغيره                            25

2.         ملحق في الآثار المرفوعة                                    33

3.         ملحق في الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين      40

4.         ملحق في أقوال الائمة المجتهدين                          42

5.         ملحق في أقوال أتباع الائمة                                 45

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

1.           ملحق أول - ظل الزوال وتغيره

 

1.1.      الشمسُ عَلَمُ المواقيت

نزل جبريل عليه السلام وأمَّ النبيَ صلى اللّه عليه وسلم وصحابته الكرام، في أوقات الصلوات المختلفة، ولم يحدد جبريل عليه السلام الأوقات ببيان قولي، وإنما نزل في أوقات محددة، تاركاً النبيَ صلى اللّه عليه وسلم  ليربط بين وقت (الإمامة) للصلاة وظواهر كونية تختلف باختلاف أوقات الصلوات، وكان من يقظة النبي صلى اللّه عليه وسلم وحكمته وتسديد الوحي إياه، أن اعتمد في التحديد على أمور ظاهرة في أفق السماء، يلحظها كل ناظر، وهي حركة الشمس وظلالها، فربط النبيُ صلى اللّه عليه وسلم  أولَ الظهر بالزوال، وأول العصر بصيرورة ظل الإنسان قامة، و وقت المغرب بغياب قرص الشمس، و وقت العشاء بغياب الشفق، وأخيرا ربط بين الصبح وطلوع الفجر. وبهذا التقدير  اعتبر النبيُ صلى اللّه عليه وسلم الشمسَ وحركتها الظاهرة وظلالها ونورها هي المؤشرَ والدليل على دخول الأوقات، مما جعل الفلكي الكبير البيروني، بعد قرون، يصوغ هذا الاعتبار النبوي في صيغة قانون عام مختصر محكم، بقوله في كتابه المشهور( إفراد المقال في أمر الظلال): الشمسُ عَلَمُ المواقيت، وقد كانت الشمس حقيقة كذلك، وكانت أساسا لنشوء (علم الميقات) أحد أهم فروع علم الفلك التطبيقي في حضارتنا الإسلامية.

وسوف نبين في الفقرات التالية طرفا من المفاهيم الفلكية المرتبطة بالشمس وحركتها وظلالها، وذلك حتى يتسنى لنا حسن الفهم والتأمل في حديث( الإمامة ).

 

1.2.      حركة الشمس الظاهرية

تدور الأرض حول نفسها أمام الشمس كما هو معروف مرة واحدة في كل يوم( 24 ساعة )،

وهي تدور كذلك حول الشمس دورة كاملة في مدة سنة شمسية (365 يوما في المتوسط). وهذا الدوران الحقيقي للأرض حول نفسها أمام الشمس يولد انطباعا ظاهريا بدوران الشمس حول الأرض، فتبدو لنا الشمس، في كل يوم، تشرق من الشرق وترتفع لتبلغ ذروة ارتفاعها منتصف النهار(وقت الزوال ) لتعود للانخفاض بعد الزوال إلى أن تغيب غاربة آخر النهار في جهة الغرب، والأشكال التالية أدناه تبين حركة الشمس الظاهرة في فصلين مختلفين:

 

 

 

ويميل مستوى دوران الشمس الظاهري عن الشاقول بزاوية ثابتة، مهما اختلفت الفصول، وتساوي زاوية عرض المكان.

نقطتا الشروق والغروب تختلفان من يوم إلى آخر، مما يسمح لنا أن نقول: إن الشمس لا تشرق من نقطة واحدة في يومين متتاليين، والمشرق الأقصى نحو الشمال يسمى مشرق الانقلاب الصيفي، وبالمقابل يسمى المشرق الأدنى باتجاه الجنوب مشرق الانقلاب الشتوي، والزاوية بين المشرقين تختلف باختلاف خط العرض وهي في مكة المكرمة مكان (إمامة جبريل) عليه السلام من مرتبة (52) درجة.

 والمشرقان وكذلك المغربان الأقصى والأدنى هما ما أشارت إليهما الآية الكريمة ( رب المشرقين و رب المغربين، فبأي آلاء ربكما تكذبان ) (الرحمن 17-18).

 وباختلاف نقطتي الشروق والغروب في كل يوم، تختلف تبعا لهما ذروة ارتفاع الشمس( وقت الزوال ) في ذلك اليوم. 

 

1.3.      ظل الزوال

يكون للأجسام الشاخصة، في ضوء الشمس نهارا، ظل محدود على سطح الأرض( وهو ما يقابل الظل الممدود في فترة الشفق الصباحي والمسائي)، وهذا الظل المحدود يتحرك ويختلف طوله تبعا لحركة الشمس ومسارها الظاهري في قبة السماء في كل يوم، فيكون الظل طويلا ومتجها جهة المغرب صباحا ويسمى (الظل الصباحي)، ويتقاصر الظل مع ارتفاع الشمس حتى يبلغ أقصر طول له مع بلوغ الشمس ذروة ارتفاعها وقت الزوال، ويسمى آنذاك (ظل الزوال)، وهو أقصر ظل لشاخص قائم على أرض مستوية في يوم ما، ويكون( ظل الزوال ) متجها نحو الشمال في المناطق المعتدلة(ابتداء من مدار السرطان) و يتجه جنوبا في نصف الكرة الأرضية الجنوبي(ابتداء من مدار الجدي)، ويختلف اتجاهه بحسب الفصول بين مدار الجدي ومدار السرطان. وبعد الزوال يعود الظل ثانية للزيادة، وتنقلب جهته إلى جهة الشرق ويسمى عندئذ فيئا ( الظل المسائي ) والأشكال الأربعة  التالية تبين هذه الأنواع المختلفة من الظلال.

 


 

 

 


 

1.4.      ظل الزوال والفصول

يتعلق طول ظل الزوال( وهو أقصر طول للظل في يوم ما، كما رأينا في الفقرة السابقة)، بارتفاع الشمس وقت الزوال، ونظراً لاختلاف ارتفاع الشمس وقت الزوال من يوم إلى آخر، يختلف تبعا لذلك طول ظل الزوال ، فيبدو طويلا في الشتاء، قصيرا في الصيف، ويختلف باختلاف الفصول، فيأخذ أكبر طول له في يوم الانقلاب الشتوي، وأقصر طول له في يوم الانقلاب الصيفي، انظر الشكلين التاليين:

 

 

1.5.      ظل الزوال وخط العرض

يختلف ظل الزوال (وكذلك ذروة ارتفاع الشمس وقت الزوال) في يوم ما من السنة من نقطة إلى أخرى على سطح الأرض، وذلك باختلاف خط العرض للنقطة المعتبرة في القياس، فيكون معدوما إذا كانت الشمس عمودية على الأرض وقت الزوال، وذا طول محدد إذا تجاوز خط عرض المكان القيمة ( 23.5 ) ( مدار السرطان)، ويزداد طوله كلما ارتفعنا باتجاه خطوط العرض العليا. والأشكال التالية تبين حركة الشمس الظاهرية في يوم 15/7

والارتفاع الأقصى للشمس في خطوط عرض مختلفة(مكة المكرمة وحلب وباريس).

 

 

 

1.6.      خصائص ظل الزوال في مكة المكرمة

مكة المكرمة - حفظها الله تعالى - تقع على خط عرض 21.5 ، وهي واقعة بين خط الاستواء ومدار السرطان، وذروة ارتفاع الشمس فيها يختلف كما ذكرنا باختلاف اليوم من السنة، وظل الزوال في غالب السنة(ثلاثة فصول: الشتاء والربيع والخريف) تكون له قيمة معتبرة تصل إلى طول القامة في الشتاء، ويكون متجها نحو الشمال في هذه الفصول، ويكون الظلُ معدومَ القيمة في يومين في السنة، حيث تكون الشمس عموديه تماما على مكة المكرمة وقت الزوال، واليومان هما : 29 أيار- مايو و  15 تموز- يوليو، ومابين هذين اليومين يكون الظل متجها نحو الجنوب وصغير القيمة جدا (انظر الأشكال المرفقة).


                                                                      

 

 

 


 

ظل الزوال في ثلاثة أيام في السنة، منتصف الصيف ومنصف الشتاء و زمن (إمامة جبريل)


 

في الشكل أعلاه، يبدو مسار الشمس الظاهري في يوم من الشتاء ويوم من الصيف باللون الأحمر، والمشارق والمغارب تتراوح حول قيمة وسطية هما جهتا الشرق والغرب.

 

الشكل في الأسفل يعطي ظل الرجل (القامة) وقت الزوال في مكة المكرمة في الأشهر المختلفة معبرا عنه كنسبة، حيث القيمة الموجبة تعبر عن ظل الزوال المتجه نحو الشمال، والقيمة السالبة عن ظل الزوال المتجه نحو الجنوب.

 

 

 

1.7.      الفئ أو ظل العشي و أول وقت العصر

في اليومين المذكورين أعلاه(29 أيار- مايو و 15 تموز- يوليو) يكون ظل الزوال في مكة المكرمة معدوما، ويظهر الظل بعد الزوال مباشرة ( ويمكن تسميته بشكل أكثر تخصيصا: فيئا) صغيرَ القيمة جدا، كشراك النعل،  ويزداد طوله مع ميل الشمس نحو الغروب، ليبلغ طول القامة تقريبا مع انتصاف المدة الفاصلة بين الزوال والغروب( بداية الربع الثالث من النهار)، وهو الوقت الموافق لأول وقت العصر في (إمامة جبريل)، حيث يكون ظل كل شئ مثله( انظر الشكل أدناه ).

 

 

 
 
 وخلاصة الأمر أنه في إمامة جبريل ( صيف مكة المكرمة ):     

·   ظل الزوال معدوم ( الفئ كشراك النعل )

·   أول العصر: الظل = القامة

·   مدة وقت العصر = ربع النهار

·   مدة وقت الظهر = ربع النهار

·   مدة وقت الظهر = مدة وقت العصر

 

 

 

 

 

 

 

 

1.8.      ظل الزوال وتغيره في العراق(الكوفة)

 

تقع مدينة الكوفة، وهي بلد إقامة الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان رأس المذهب الحنفي، شمال مدار السرطان، وعلى خط عرض يجاوز 30 درجة، ويكون لظل الزوال قيمة في كل الفصول ، والشكل أدناه يعطي قيمه خلال أشهر السنة المختلفة مقدرة بالقدم ( حيث يعتبر طول الإنسان المتوسط حوالي  7 أقدام)، ويلحظ من الشكل أن ظل الزوال في منتصف الصيف يكون صغير القيمة حوالي قدم واحد( سبع قامة الإنسان )، وفي فصل الشتاء يكون في المتوسط مقاربا لطول القامة و يزيد عن القامة قليلا( قامة وربع) في منتصف الشتاء، وهذه المعلومات سوف تنفعنا في الفصول التالية لدى إعادة النظر في القول الشائع عن أبي حنيفة في أول وقت العصر( الظل قامتان ).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2.           ملحق ثان - وقت العصر في الآثار المرفوعة

2.1.   حديث إمامة جبريل ( مكة المكرمة – الصيف )

2.1.1.         نص الحديث:

روى الترمذي في سننه في ‏"‏باب ما جاء في المواقيت‏"‏ عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف أخبرني نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس أن النبي  صلى اللّه عليه وسلم  قال‏:

‏"‏أمَّني جبريل عند البيت مرتين‏:

‏ فصلى الظهر في الأولى منهما‏:‏ حين كان الفيء مثل الشراك،

 ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله،

 ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس، وأفطر الصائم،

ثم صلى العشاء حين غاب الشفق،

 ثم صلى الفجر حين برق الفجر، وحرم الطعام على الصائم،

وصلى المرة الثانية‏:‏

 الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس،

 ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه،

 ثم صلى المغرب لوقته الأول،

ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل،

 ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض،

ثم التفت إليِّ جبرائيل، فقال‏:‏

 يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين‏"‏.

قال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح، والحديث رواه ابن حبان في ‏"‏صحيحه‏"‏ والحاكم في ‏"‏المستدرك ‏[‏ص 193 - ج 1‏‏‏]‏‏"‏ وقال‏:‏ صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأخرجه أبو داود ‏[‏في ‏"‏المواقيت‏"‏ ص 62[، والطحاوي، وأحمد‏:‏ ص 333 - ج 1، والبيهقي‏:‏ ص 364، والدارقطني‏:‏ ص 96‏.

2.1.2.         المعنى الإجمالي للحديث

خلاصة الحديث المتعلقة بوقتي الظهر والعصر:

قال‏:‏ ‏"‏أمَّني جبرائيل عند البيت مرتين‏:

    فصلى الظهر في الأولى منهما‏،‏ حين كان الفيء مثل الشراك،

 ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثلَ ظله،

ونشرح فيما يلي بعض كلمات الحديث وألفاظه:

(‏أمَّني جبرائيل ) معناه كما رواه الدار قطني في ‏‏سننه ‏[‏ص 97‏]‏،‏ من حديث قتادة عن أنس:

 أن جبرائيل أتى النبي  صلى اللّه عليه وسلم  بمكة حين زالت الشمس، فأمره أن يؤذن للناس بالصلاة حين فرضت عليهم، فقام جبرائيل أمام النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقام الناس خلف رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال‏:‏ فصلى أربع ركعات لا يجهر فيها بقراءة، يأتمُّ الناس برسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يأتمُّ بجبرائيل، ثم أمهل حتى دخل وقت العصر، فصلى بهم أربع ركعات لا يجهر فيها بالقراءة.....

  ( الظل والفئ ) َقَالَ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي أَوَائِلِ أَدَبِ الْكَاتِبِ : يَتَوَهَّمُ النَّاسُ أَنَّ الظِّلَّ وَالْفَيْءَ بِمَعْنًى ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ، وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : أَنَا فِي ظِلِّكَ، وَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا. وَأَمَّا الْفَيْءُ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، وَلَا يُقَالُ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ فَيْءٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، أَيْ رَجَعَ وَالْفَيْءُ الرُّجُوعُ.

  ( قدر الشراك ): قال ابن الأثير: الشراك أحد سيور النعل التي تكون على وجهها، وقدره هاهنا ليس على معنى التحديد، ولكن زوال الشمس لا يبين إلا بأقل ما يرى من الظل، وكان حينئذ بمكة هذا القدر، والظل يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإنما يتبين ذلك في مثل مكة من البلاد التي يقل فيها الظل فإذا كان أطول النهار واستوت الشمس فوق الكعبة لم ير بشيء من جوانبها ظل، فكل بلد يكون أقرب إلى خط الاستواء ومعدل النهار يكون الظل فيه أقصر، وكل ما بعد عنهما إلى جهة الشمال يكون الظل أطول انتهى.

 

2.1.3.         روايات وطرق الحديث

 

الصحابي

المحدث

الزوال

الفيء

أول العصر

آخر العصر

1

ابن عباس

الترمذي

 

الفيء مثل الشراك

كل شئ مثل ظله

ظل كل شئ مثليه

2

ابن عباس

ابن أبي شيبة

زالت

وكانت بقدر الشراك

ظل كل شئ مثله

ظل كل شئ مثليه

3

ابن عباس

أحمد

زالت

فكانت قدر الشراك

ظل كل شئ مثله

ظل كل شئ مثليه

4

ابن عباس

أحمد

 -

كان الفئ بقدر الشراك

  -

 

5

ابن عباس

أبو داود

زالت

وكانت قدر الشراك

    كان ظله مثله

   كان ظله مثليه

6

ابن عباس

ابن المنذر

مالت

فكانت بقدر الشراك

ظل كل شئ مثله

 

7

ابن عباس

الطحاوي

مالت

 

ظل كل شئ مثله

ظل كل شئ مثليه

8

أبو هريرة

البزار

 

كان الفيء مثل شراك نعلي

كان فيئي مثلي

الفيء مثلين

9

أبو هريرة

النسائي

زاغت

 

رأى الظل مثله

كان الظل مثليه

10

أبو سعيد الخدري

الطحاوي

زاغت

 

حين قامت قائمة

الفيء قامتان

11

أبو سعيد الخدري

الهيثمي

زالت

 

كان الفيء قامة

الفيء قامتان

12

أبو سعيد الخدري

أحمد

زالت

 

كان الفئ قامة

والظل قامتان

13

جابر

أحمد

زالت

 -

صار ظله مثله

ظل كل شئ مثليه

14

جابر

النسائي

زالت

 -

الظل مثل شخصه

ظل الرجل مثل شخصيه

15

جابر

النسائي

زالت

الفئ قدر الشراك

قدر الشراك وظل الرجل

ظل الرجل مثليه

16

عبد الله بن عمرو

مسلم وابن حبان

زالت

ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر

 

حديث ‏(‏إمامة جبريل‏)‏ رواه جماعة من الصحابة‏:‏ منهم عبد الله بن عباس‏‏ وجابر بن عبد اللّه‏ و عبد الله بن مسعود‏ وأبو هريرة ‏ وعمرو بن حزم‏ وأبو سعيد الخدري‏ وأنس بن مالك‏ وعبد الله بن عمر، وبألفاظ فيها شئ من الاختلاف والتباين. والجدول التالي يعطي روايات الصحابة الذين رووا الحديث، في كتب السنن المختلفة وألفاظهم في التعبير عن الزوال والظهر وأول العصر، والمحدث الذي أخرج الحديث كذلك.

 

 

 

2.1.4.         نقد روايات الحديث

أسهب المحدثون في نقد الروايات المذكورة في الجدول السابق من حيث السند، والروايات في مجملها لا تخرج على حيز القبول كما ذكروا، والذي نعنيه بالنقد هنا هو نقد المتن، النقد للروايات من حيث أداؤها للمعاني وللفروقات في المعاني، التي تحملها الألفاظ المختلفة، وترجيح الرواية الأكثر توافقا مع واقع الحادثة.

2.1.4.1.    ألفاظ أول وقت الظهر

      تم التعبير عن أول وقت الظهر بثلاثة أشكال مختلفة:

1.    الاقتصار على الوصف: مالت أو زاغت أو زالت، وكلها متكافئة تماما في المعنى   ( الروايات ذوات الأرقام: 7، 9، 12 ).

2.    الاقتصار على الوصف: الفئ مثل الشراك، مع فروقات في الألفاظ لا تغير المعنى   ( الروايات ذوات الأرقام: 1، 8).

3.    جمع الوصفين السابقين: زالت وكانت بقدر الشراك                                         ( الروايات ذوات الأرقام:3،2، 15).

أما رواية الشكل الأول( زالت ) فقد أغفلت جزءاً مهماً وضروريا من المعنى، وهو أن (إمامة جبريل) حدثت في وقت كان ظل الزوال فيه معدوما أو شبه معدوم( مثل الشراك ) والذي يعني أن الإمامة حدثت في فترة الصيف في مكة المكرمة. وهذا الشكل كاف في التعبير عن أول وقت الظهر عموما، ولكنه قاصر في التعبير عن وقت( إمامة جبريل) خصوصا(صيف مكة).

الشكل الثاني (الفئ مثل الشراك ) يتضمن معنى الزوال لاستخدامه لفظ الفئ، والفئ هو ما يكون من ظل بعد الزوال، ويتضمن معنى (بعد الزوال مباشرة في صيف مكة المكرمة) وذلك باستخدامه لفظ (مثل الشراك).

الشكل الثالث( زالت وكانت بقدر الشراك) يطابق في المعنى الشكل الثاني( الوصف السابق)، ولكنه أكثر منه ألفاظا وبالتالي أكثر تفصيلا.

   و يبدو لنا أن الشكل الثاني أولى بالاعتبار من الشكل الثالث لأنه أكثر شبها بسمت النبي صلى الله عليه وسلم في التعبير بوجيز الكلام عن المعاني الكثيرة، ولعدم حاجته للتقدير: (وكان فئ الشمس) في قولنا و(كانت). أما الشكل الأول فنكاد نجزم بان بعض الرواة هم الذين تصرفوا في الألفاظ، وأسقطوا الشطر الثاني من العبارة في الشكل الثالث( الوصف الثاني) والذي يتضمن معنىً ضرورياً مهما، لا يسمح حذفه بفهم تحديد أول وقت العصر.

2.1.4.2.    ألفاظ أول وقت العصر

تم التعبير عنه بأسلوبين:

·       الأسلوب العام: وهو المتكرر في أكثر الروايات، بل فيها جميعا ماعدا واحدة، وهو يكافئ في المعنى القول( ظل كل شئ مثله)، مع اختلاف في الألفاظ لا يضر بالمعنى المذكور.

·       الأسلوب الخاص: وهو الوارد في رواية البزار عن أبي هريرة، وفيه يمثل النبي صلى الله عليه وسلم عن( الشئ ) بقامته الشريفة، بقوله( كان فيئي مثلي ) وهو معنى خاص.

 

 

 

ويغلب على الظن أن أصل التعبير النبوي هو(كان الفيء مثل شراك نعلي، كان فيئي مثلي) ثم تصرف فيه الرواة بنقله من الأسلوب الخاص إلى الأسلوب العام، ومما يرجح هذا الظن عدة أسباب:

·       أن الانتقال من الوصف الخاص إلى الوصف العام، إن لم يكن الخاص مقصودا في تقدير السامع، ممكن ومتكرر ويفعله العقل بلا حرج، أما الانتقال من الوصف العام إلى الخاص فبعيد الاحتمال، ولا بد له من مسوغ.

·       استخدام كلمة (شراك النعل) للتعبير عن الكمية المهملة، قد يكون داعيته نظره صلى الله عليه وسلم إلى قدميه الشريفتين، فرأى فيأه صلى الله عليه وسلم صغيرا يماثل سماكة شراك نعله، فكان التعبير(  كان الفيء مثل شراك نعلي ).

·       مما يقوي رواية البزار( في المعاني ) أنها استخدمت الشكل الثاني في التعبير والمشار إليه في الفقرة السابقة : أول وقت الظهر(الفئ مثل الشراك )

وأخيرا يبدو لنا أن رواية البزار للحديث عن أبي هريرة، هي أكثر الروايات استكمالا للمعاني الحادثة في( إمامة جبريل ) ويمكن أن تكون أقربها لألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم في وصف الحادثة والله تعالى أعلم.

 

2.1.5.         توقيت ( إمامة جبريل ) الإجمالي

ذكرنا في الفقرة السابقة والمتعلقة بنقد روايات الحديث أن أكثر الروايات تشير إلى حدوث (الإمامة) في وقت كان ظل الزوال معدوما أو شبه معدوم، وهذا يعني أنها حدثت في فترة الصيف، وقد تنبه إلى هذا المعنى كثير ممن يهتم بالمواقيت من العلماء ونقله الفقهاء عنهم في موسوعاتهم، ونذكر من النقل ما أورده  النووي في باب المواقيت من شرحه على المهذب، من  قول الأصحاب وقول القاضي أبي الطيب الطبري:

(قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ مَا يَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ الظِّلِّ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمَانِ وَالْبِلَادِ، فَأَقْصَرُ مَا يَكُونُ الظِّلُّ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي الصَّيْفِ عِنْدَ تَنَاهِي طُولِ النَّهَارِ، وَأَطْوَلُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ عِنْدَ تَنَاهِي قصر النهار.

 وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّاسِبِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ : إنَّ عِنْدَ انْتِهَاءِ طُولِ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ لَا يَكُونُ بِمَكَّةَ ظِلٌّ لِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْخَاصِ عِنْدَ الزَّوَالِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا قِبَلَ انْتِهَاءِ الطُّولِ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بَعْدَ انْتِهَائِهِ ، وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَتَى لَمْ يُرَ لِلشَّخْصِ ظِلٌّ فَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ ، فَإِذَا رَأَى الظِّلَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ زَالَتْ وَبَاقِي أَيَّامِ السَّنَةِ مُعَرَّفَةُ الزَّوَالِ بِمَكَّةَ كَمَعْرِفَتِهَا بِغَيْرِهَا.

 وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ فَيْءٌ بِمَكَّةَ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ أَصْحَابُنَا: قَامَةُ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِ نَفْسِهِ) انتهى قول النووي.

فجملة الروايات للواقعة يمكنها أن تشير بشكل واضح وأكيد إلى أن (إمامة جبريل) حدثت في فترة الصيف في مكة المكرمة، وظل الشمس فِي الصَّيْفِ - كما يقول الشافعي في موسوعته الفقهية ( الأم )-  يَتَقَلَّصُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِشَيْءٍ قَائِمٍ مُعْتَدِلٍ نِصْفَ النَّهَارِ ظِلٌّ بِحَالٍ.

 

 

2.1.6.                     خلاصة

 

حديث إمامة جبريل هو أم أحاديث باب المواقيت، وقد رواه من الصحابة جمع منهم: عبد الله بن عباس، أبو هريرة، أبو سعيد الخدري، جابر بن عبد الله، عبد الله بن عمر، ورواه عنهم جمع كبير من المحدثين وأهل العلم، منهم: ابن أبي شيبة، أحمد بن حنبل، الطحاوي، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن المنذر، البزار، الهيثمي.

وقد تفاوتت ألفاظ الرواة في عرض الحادثة اختلافا بيناً، وكلها أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحكي ألفاظه في وصف الحادثة

.

ومن خلال الفقرات السابقة نؤكد الملاحظات التالية:

 

·   أول وقت الظهر هو الزوال وقد عبر عنه بألفاظ مختلفة منها: (زالت، مالت، زاغت)، وكلها تشير إلى نفس المعنى(= الزوال ).

·   ذكر بعض الرواة وصفا للظل وقت الزوال( وقت حدوث الإمامة ) وهو قولهم:(الفئ مثل الشراك، الفئ بقدر الشراك، الفئ مثل شراك نعلي، الفئ قدر الشراك) وهذا الوصف يعني أن ظل الزوال كان معدوما وقتئذٍ، وهذا القيد ( الوصف لظل الزوال ) بالغ الأهمية إذ انه ينبئنا عن الوقت من السنة التي حدثت فيه الإمامة، وقد أسقطه بعض الرواة ( أحمد عن أبي سعيد، والطحاوي عن أبي سعيد، والنسائي عن جابر..) فغيّب عنا بهذا الإسقاط معنى مهما ووصفا لازما، لولا المقارنة مع الروايات الأخرى.

·   من الملاحظة السابقة يتبين لنا أن نزول جبريل وإمامته حدثت في فصل الصيف في مكة المكرمة حيث يكون ظل الزوال صغيرا مهملا أو معدوما.

·   ظل الزوال في مكة المكرمة ينعدم في يومين من السنة، 28 أيار– مايو  و 15 تموز- يوليو، فتكون إمامة جبريل حدثت في أحد هذين اليومين أو حولهما.

·   اختلف التعبير عن أول العصر: ( كل شئ مثل ظله، كان فيئي مثلي، كان الفئ قامة...)، وكل أشكال التعبير هذه تعني أن ارتفاع الشمس أول العصر 45 درجة، ولما كانت الشمس عمودية وقت الزوال ( لانعدام الظل وقتئذٍ )، فإن أول العصر يتوافق مع بداية الربع الرابع من النهار وبتقريب ممتاز.

·       الملاحظة السابقة تعني أن وقتي الظهر والعصر متساويان وكل منهما يساوي ربع النهار.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

2.2.      أحاديث سؤال سائل( المدينة المنورة – الصيف والشتاء )

 

المتصفح لأبواب المواقيت في كتب السنن ومجاميع الحديث( مبينة رواتها وكتبهم وعدد أحاديث المواقيت فيها في الجدول أدناه ) يتبين له جليا أن النبي صلى الله عليه وسلم  سئل مرات عديدة، في بلد الهجرة (المدينة المنورة)، عن مواقيت الصلوات، وكان الغالب في إجاباته صلى الله عليه وسلم بأن يأمر السائل أن يصلي معه الصلوات المختلفة، تاركا له ربط المواقيت بالظواهر الفلكية المختلفة، بحيث تكون تلك الظواهر علامات على المواقيت، وفعله هذا محاك، كما هو واضح، لفعل جبريل في حادثة الإمامة.

 

اسم الفصل

عدد الأحاديث

الكتاب

المحدث

 

وقوت الصلاة

28

الموطأ

مالك

1

في جميع مواقيت الصلاة

84

المصنف

ابن أبي شيبة

2

مواقيت الصلاة

77

الجامع الصحيح

البخاري

3

أوقات الصلوات الخمس

73

صحيح

مسلم

4

مواقيت الصلاة

35

سنن

الترمذي

5

في المواقيت

131

سنن

النسائي

6

في المواقيت

45

سنن

أبو داود

7

باب

40

سنن

ابن ماجة

8

مواقيت الصلاة

30

سنن

الدارمي

9

 

293

المجموع

 

 

 

والجدول التالي رقم (1) يحصر ما وقع بين أيدينا من روايات، في كتب السنن ومجاميع الحديث، عن الصحابة الكرام في وصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند سؤاله عن مواقيت الصلوات، وهي التي أسميناها (أحاديث سؤال سائل).

 

 ويمكننا من هذا الجدول استخلاص النتائج التالية:

·       أغلب رواة هذه الأحاديث صحابة مدنيون( جابر، أنس، بريدة....)

·   روى هذه الأحاديث جل أصحاب السنن والصحاح(ابن أبي شيبة، أحمد،البخاري، مسلم، أبو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة، الدارمي، الطحاوي...)

·   سؤال السائل، كما هو متوقع، وقع في كل الفصول من السنة، وما يدل على وقوعه صيفاً( فترة انعدام الظل) تعبير الصحابي عن أول وقت العصر بقوله: فئ الإنسان مثله، كما في رواية الطحاوي والنسائي عن جابر بن عبد الله. ومما يدل على وقوع السؤال في باقي الفصول( الربيع والخريف والشتاء، حيث يكون لظل الزوال قيمة معتبرة غير مهملة) هو قول الصحابي: زالت والقائل يقول قد انتصف النهار وهو كان أعلم منهم)، إذ أن الزوال لايلتبس في الصيف ، فيكون عند ظهور الفئ إثر انعدام الظل مباشرة، بخلاف باقي الفصول( ربيع وخريف وشتاء) فيكون لظل الزوال قيمة معتبرة ، ولابد لمعرفة الزوال من مراعاة زيادة الظل بعد تناهي نقصانه.

 

 

 

·       كان التعبير عن أول العصر بألفاظ مختلفة جدا وكلها تدور حول استخدام الأوصاف التالية: بيضاء، مرتفعة، نقية، حية، أو تركيب منها.

·       الغالب في تحديد أول العصر هو الوصف للشمس( بيضاء، حية، نقية...)، والتعبير بالظلال لم يتم إلا في حالتين فقط من 23 رواية، وفي بعض روايات صحابي واحد فقط وهو جابر، بخلاف روايات باقي الصحابة وهم ستة، وكان التعبير بالظلال في حالة الصيف فقط، ولم يتعرض لحالات الفصول الأخرى.

من الملاحظات السابقة يمكننا أن نخلص إلى النتيجة التالية:

في العهد المدني كان الغالب في تعبير الصحابة عن تحديد أول العصر بإعطاء وصف للشمس، ولم يعبر بالظلال إلا في حالات قليلة جدا وفي فصل الصيف حصرا.

الوضع

الصحابي

الراوي

المحدث

أول الظهر

أول العصر

آخر العصر

وصف لفعل

جابر

الطحاوي

زاغت

فئ الإنسان مثله

فئ الإنسان مثليه

وصف لفعل

جابر

النسائي

زاغت

فئ كل شئ مثله

فئ الإنسان مثليه

 

 

 

 

 

 

وصف لفعل

جابر

مسلم

زالت

مرتفعة بيضاء نقية

مرتفعة

وصف لفعل

جابر

النسائي

 

بيضاء نقية

 

وصف لفعل

جابر

مسلم

 

نقية

 

وصف لسائل

جابر

آبو داود

بالهاجرة

حية

 

وصف لسائل

جابر

الدارمي

تزول

حية أو نقية

 

 

أبو موسى

أبو داود

زالت والقائل

بيضاء مرتفعة

وقد اصفرت

 

أبو موسى

الطحاوي ومسلم

زالت والقائل

مرتفعة

يقول: احمرت

 

أبو موسى

النسائي

زالت والقائل

مرتفعة

يقول: احمرت

 

موسى

ابن أبي شيبة

زالت أو لم

مرتفعة

يقول: قد احمرت

وصف لسائل

انس

أبو داود

 

بيضاء مرتفعة حية

 

 

انس

ابن ماجة

 

مرتفعة حية

 

 

انس

البخاري

 

مرتفعة حية

 

 

انس

النسائي

 

مرتفعة حية

 

 

انس

الطحاوي والنسائي

 

بيضاء محلقة

 

 

بريدة

الطحاوي

زالت

بيضاء نقية مرتفعة

مرتفعة أخرها

 

بريدة

الترمذي

زالت

بيضاء مرتفعة

 

 

بريدة

النسائي

زالت

بيضاء

بيضاء واخر

 

بريدة

مسلم

زالت

مرتفعة

بيضاء نقية لم يخالطها صفرة

 

أبو برزة

النسائي

 

حية  ( بعد الصلاة)

 

 

أبو مسعود

أبو داود

تزول

مرتفعة بيضاء

 

 

الجدول رقم ( 1 )

 

3. ملحق ثالث: وقت العصر في آثار الصحابة والتابعين

                    (  - إلى بداية القرن 2 هـ )

 

عرضنا في الفقرة السابقة وصف الصحابة الكرام لفعل النبي صلى الله عليه وسلم  عند سؤال سائل، ونعرض في هذه الفقرة تعبيراتهم هم أنفسهم عن وقت العصر عند سؤال سائل لهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، أو عندما يصفون مواقيت صلواتهم، وقد جمعنا في الجدول رقم ( 2 ) ما استطعنا العثور عليه من روايات ( عشرين أثراً) وأغلبها في مصنف ابن أبي شيبة، لاهتمامه - إضافة لرواية الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم  - برواية الآثار عن الصحابة والتابعين( وهو ما يسميه المحدثون الأحاديث الموقوفة والمقطوعة)، وبعضها عند محدثين آخرين: مالك والبخاري وأبي داود والطحاوي.

 

وتحليل المعلومات والعبارات الواردة في الجدول يقودنا إلى الملاحظات التالية:

·       عدم ظهور التعبير: الظل قامة أو ظل كل شئ مثله ، في تحديد وقت العصر.

·   من بين 12 رواية حددت وقت صلاة العصر، واحدة منها فقط حددته بالظلال وهي رواية إبراهيم النخعي حيث يقول:يصلي العصر والظل 21 قدماً في الشتاء والصيف، ورواية أخرى حددته بزمن سير البعير، وباقي الروايات( 10 روايات) حددته بوصف الشمس: بيضاء، حية، نقية، مرتفعة...

·   بدء ظهور وحدات، أصغر من القامة، لتقدير طول الظلال، فظهر كما هو باد في الجدول استخدام الذراع والقدم( الذراع قدمان، والقدم سُبع قامة )، إضافة لاستخدام الوحدة الأساسية ( القامة ).

·   بدء ظهور التفريق- في تحديد وقتي الظهر والعصر- بين الصيف و الشتاء، أي بين فترة انعدام ظل الزوال وفترة كون ظل الزوال ذا قيمة، وهذا يظهر في روايات: عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي.

·   بدء ظهور التعبير عن وقت الظهر بالظلال وأطوالها، كما في رواية عمر في الموطأ وعمارة وإبراهيم النخعي وأبي مجلز في المصنف، بعد أن كان التعبير محصورا بقولنا: زالت ومساوياتها في المعنى، كزاغت ومالت...

 

وخلاصة الأمر- في فترة الصحابة والتابعين- هو غلبة التعبير عن وقت العصر بذكر أوصاف الشمس، كما كان الحال في المدينة المنورة عند سؤال سائل، وبدء التمييز في التحديد بين الصيف والفصول الأخرى.

 

 

 

 

 

الصحابي

المصدر

النص

ملاحظات

عمر

ابن أبي شيبة

الظهر إذا زالت الشمس والعصر والشمس بيضاء نقية

كتاب إلى علي

عمر

ابن أبي شيبة

الظهر إذا زالت الشمس والعصر والشمس بيضاء حية

كتاب إلى أبي موسى

عمر

موطأ

الفيء ذراعاً، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية

كتاب إلى عماله

أبو هريرة

ابن أبي شيبة

زالت الشمس عن نصف النهار وكان الظل قبس الشراك

 

عبد الله بن مسعود

أبو داود

في الصيف 3-5 أقدام، في الشتاء 5-7 أقدام

 

عمارة

ابن أبي شيبة

كانوا يصلون الظهر و الظل قامة

 

إبراهيم النخعي

ابن أبي شيبة

تصلي الظهر إذا كان الظل ثلاثة أذرع

في الصيف

إبراهيم النخعي

ابن أبي شيبة

يصلي العصر والظل 21 قدماً في الشتاء والصيف

 

ابن عمر

ابن أبي شيبة

يصلي العصر والشمس بيضاء نقية

 

محمد بن سيرين

ابن أبي شيبة

إذا كان ظله ثلاثة أذرع

 

أبو مجلز

ابن أبي شيبة

صليت مع ابن عمر وظلي ثلاثة أذرع

 

أبو مجلز

ابن أبي شيبة

ليس الوقت ممدوداً كالشراك من أخطأه هلك

 

أنس

الطحاوي

والشمس بيضاء محلقة

 

انس

البخاري

والشمس مرتفعة حية

 

انس

ابن أبي شيبة

وقتها أن يسير ستة أميال إلى أن تغرب الشمس

 

خيثمة

ابن أبي شيبة

والشمس بيضاء حية وحياتها أن تجد حرها

 

العنبس

ابن أبي شيبة

كان علي يصلي العصر والشمس مرتفعة

 

الحسن

ابن أبي شيبة

إذا زال الفئ عن طول الشئ فذاك حين يصلي الظهر

 

عائشة

ابن أبي شيبة

يصلي العصر والشمس طالعة في حجرتي لم يظهر الفئ بعد

 

ابن أبي الهذيل

ابن أبي شيبة

يصلي قدر ما يسير العير فرسخاً إلى غروب الشمس

 

                                                     الجدول رقم ( 2 )

 

 

4. ملحق رابع: وقت العصر في أقوال الأئمة المجتهدين (القرن 2 – 3 هـ )

بدأ في القرن الهجري الثاني وبداية الثالث ظهورُ كبار الأئمة المجتهدين والذين تبلورت مذاهبهم في القرون اللاحقة واستقر العمل بها عند جمهور المسلمين، وكان من أشهرهم الأئمة الأربعة: أبو حنيفة النعمان ومالك بن أنس والشافعي وأحمد بن حنبل.

وقد حاولنا في الجدول رقم ( 3 ) جمع أقوال أولئك الأئمة المجتهدين في حد وقت العصر، وحرصنا في الجدول على إيراد الأقوال المنسوبة إليهم رواية عن تلاميذهم أو كتابة في مؤلفاتهم إن كانت لهم مؤلفات ثابتة النسبة إليهم. وقد أعرضنا عما يذكره المتأخرون من فقهاء المذاهب من أنه قول لهؤلاء الأئمة، إذ أنهم يعنون في الغالب لازم مذاهب الأئمة أو لازم أقوالهم، والذي يعنينا - نحن في تحليلنا- هو نص أقوال الأئمة كما جاءت رواية عنهم، لا لازم أقوالهم كما عبر عنها المتأخرون من الآخذين بأقوالهم أو المتمذهبين بمذاهبهم، وهذه نقطة في غاية الأهمية يجب التنبه لها عند التحليل حتى نستطيع تحديد بداية ظهور مفهوم (سوى ظل الزوال) وتحرير تطوره.

لهذا السبب اعتمدنا على:

·       كتاب الأصل( المعروف بالمبسوط – تصحيح وتعليق أبي الوفا الأفغاني) لمحمد بن الحسن الشيباني وهو من أقدم ما وصل إلينا من آراء وأقوال أبي حنيفة، مكتوبة بخط تلميذه الراوي المباشر عنه وهو محمد بن الحسن صاحب كتاب الأصل.

·       واعتمدنا على المدونة في الفقه المالكي وهي من أقدم ما وصل إلينا من روايات عن مالك (أقوال وآراء).

·       واعتمدنا على كتاب الأم وهو من إملاء الشافعي نفسه وثابت الرواية عنه، ويضم آراءه وأقواله.

·       وعند أحمد اعتمدنا على كتاب المسائل والتي يرويها عبد الله بن أحمد عن أبيه.

·       واعتمدنا أقوال الأئمة الآخرين( ابن المنذر، الطحاوي، الخرقي، البغوي) كما وردت في كتبهم وبعباراتهم أنفسهم.

الرقم

الإمام

الوفاة

المصدر

النص

1

أبو حنيفة

150

الأصل(محمد)

لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل قامتين

2

أبو يوسف

182

الأصل(محمد)

من حين تزول الشمس إلى أن يكون الظل قامة

3

محمد بن الحسن

189

الأصل(محمد)

من حين تزول الشمس إلى أن يكون الظل قامة

في آخر وقتها والشمس بيضاء نقية لم تتغير والشتاء والصيف سواء

4

مالك بن أنس

179

المدونة

ما رأيت مالكاً يحد في العصر قامتين ولكن يصف: والشمس بيضاء نقية

5

الشافعي

204

الأم- البيهقي

وَوَقْتُ الْعَصْرِ فِي الصَّيْفِ إذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ

6

أحمد

241

مسائل عبد الله

صار ظل كل شئ مثله

7

ابن المنذر

318

الوسيط

آخر وقت الظهر إذا صار ظل كل شئ مثله بعد الزوال

8

الطحاوي

321

شرح معاني الآثار

أن يصير الظل مثليه

9

الخرقي

334

متن الخرقي

آخر الوقت إذا صار ظل كل شئ مثله

10

البغوي

516

شرح السنة

يمتد من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شئ مثله

الجدول رقم ( 3 )

 

 

ومن تأمل الجدول المذكور أعلاه ( 3 )، يمكننا الوصول إلى النتائج التالية:

·       يحد أبو حنيفة ( - 150 هـ) وقت العصر بصيرورة الظل قامة أو قامتين، وهما روايتان عنه وان غلبت الرواية الثانية في الذكر والاعتبار، والروايتان لا تميزان بين الشتاء والصيف في تحديد وقت العصر.

·       لا يحد مالك ( - 179 هـ) وقت العصر ولكن يصف الشمس( بيضاء، نقية...) والوصف يصلح للاعتبار في الصيف والشتاء.

·       محمد( - 189هـ) يحد العصر بقوله: الظل قامة، بدون تمييز بين الشتاء والصيف.

·       يحد الشافعي ( - 204هـ) العصر بقوله: الظل قامة في الصيف، ويقدر في الشتاء، وهو الوحيد بين الأئمة المجتهدين في القرن الثاني الذي ميز في الحد بين الشتاء والصيف، فخص العبارة النبوية: الظل قامة بالصيف، وأحال الأمر إلى التقدير في الفصول الأخرى( الشتاء ...)، ونحن ننقل عبارته من كتابه الأم لأهميتها، يقول:

(وَأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ إذَا اسْتَيْقَنَ الرَّجُلُ بِزَوَالِ الشَّمْسِ عَنْ وَسَطِ الْفَلَكِ، وَظِلُّ الشَّمْسِ فِي الصَّيْفِ يَتَقَلَّصُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِشَيْءٍ قَائِمٍ مُعْتَدِلٍ نِصْفَ النَّهَارِ ظِلٌّ بِحَالٍ  وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَسَقَطَ لِلْقَائِمِ ظِلٌّ- مَا كَانَ الظِّلُّ- فَقَدْ زَالَتْ الشَّمْس.ُ وَآخِرُ وَقْتِهَا فِي هَذَا الْحِينِ إذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ فَإِذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْر، وَالظِّلّ فِي الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ وَالْخَرِيفِ مُخَالِفٌ لَهُ فِيمَا وَصَفْت مِن الصَّيْفِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ الزَّوَالُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الظِّلِّ وَيَتَفَقَّدَ نُقْصَانَهُ فَإِنَّهُ إذَا تَنَاهَى نُقْصَانُهُ زَادَ فَإِذَا زَادَ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ الزَّوَالُ وَهُوَ أَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ، ثُمَّ آخِرُ وَقْتِهَا إذَا عَلِمَ أَنْ قَدْ بَلَغ الظِّلُّ- مَعَ خِلاَفِهِ ظِلَّ الصَّيْف-ِ قَدْرَ مَا يَكُونُ ظِلُّ كُلِّ شَيْء مِثْلَهُ فِي الصَّيْفِ. وَذَلِك(أي القدر) أَنْ تَعْلَمَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْس وأَوَّلُ وَقْتِ الظُّهْرِ(كذا في المطبوع والصواب: العصر، جلال) أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَاللَّيْلِ، فَإِنْ بَرَزَ لَهُ مِنْهَا مَا يَدُلُّهُ وَإِلَّا تَوَخَّى حَتَّى يَرَى أَنَّهُ صَلَّاهَا بَعْدَ الْوَقْتِ وَاحْتَاطَ‏.وَوَقْتُ الْعَصْرِ فِي الصَّيْفِ إذَا جَاوَزَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ بِشَيْءٍ مَا كَانَ وَذَلِكَ حِينَ يَنْفَصِلُ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ الَّذِي لاَ يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ هَكَذَا، قَدْرَ الظِّلِّ مَا كَان يَنْقُصُ فَإِذَا زَادَ بَعْدَ نُقْصَانِهِ فَذَلِكَ زَوَالُهُ، ثُمَّ قَدْرُ مَا لَوْ كَانَ الصَّيْفُ بَلَغَ الظِّلَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْقَائِمِ فَإِذَا جَاوَزَ ذَلِكَ قَلِيلاً فَقَدْ دَخَلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ) انتهى قول الشافعي.

·       يحد أحمد ( - 241 هـ) العصر بقوله: صار ظل كل شئ مثله، وبدون تمييز بين الشتاء والصيف.

·   اشترك الأئمة الآخرون( ابن المنذر، الطحاوي...) في حد العصر بقولهم: ظل كل شئ مثله أو ما قارب هذه العبارة.

·   يبدو واضحا في هذه الفترة أن الأئمة اقتصروا في حد العصر على حكاية القول النبوي في وصف صلاة جبريل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم ( صار ظل كل شئ مثله )، وأنهم لم يفرقوا بين الشتاء والصيف، سوى الشافعي وكان الوحيد الذي أدخل مفهوم التقدير.

·   نؤكد على أن العبارة ( سوى ظل الزوال ) أو ما شابهها من عبارات، والتي سترد في أقوال الفقهاء بعد القرن الثالث الهجري إلى يومنا هذا، لم يرد لها ذكر في أقوال الأئمة المجتهدين في القرن الثاني ولا في قول الفقهاء الأربعة المشهورين أصحاب المذاهب المتبعة إلى يوم الناس هذا.

·       ونلخص أقوال الأئمة كما يلي:  

v     150 هـ   أبو حنيفة الظل قامة أو قامتين( بدون تمييز بين الشتاء والصيف)

v     179 هـ   مالك       لا يحد ولكن يصف( الشمس بيضاء مرتفعة، يصلح للشتاء والصيف)

v     189 هـ   محمد     الظل قامة( بدون تمييز بين الشتاء والصيف)

v     204 هـ  الشافعي   الظل قامة في الصيف ويقدر في الشتاء

v     241 هـ  أحمد       الظل قامة( بدون تمييز بين الشتاء والصيف)

 

·       تأويل قول أبي حنيفة ( الظل قامتان ):

القول المشهور المنقول عن أبي حنيفة النعمان في حد أول وقت العصر: هو صيرورة الظل قامتين، وهو قول مخالف في الظاهر لقول كبار الأئمة المجتهدين من بعده( مالك و الشافعي وأحمد )، وهو ما حدا بابن المنذر إلى القول، في كتابه المشهور ( الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف )، بعد ما ذكر قول أبي حنيفة الآنف الذكر: (وهو قول النعمان وهو قول خالف صاحبه الأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنظر غير دال عليه، ولا نعلم أحدا سبق قائل هذا القول إلى مقالته، وعدل أصحابه عن القول به فبقي قوله منفردا لا معنى له).

 وقد حاول فقهاء الحنفية جاهدين، المتقدمون منهم والمتأخرون، الاستدلال لهذا القول بما صح من السنة، فأثارت استدلالاتهم جدلا مطولا وحوارات ساخنة حفلت بها كتب الفقه وكتب شروح الحديث، والمتأمل في هذه الحوارات لا تورثه طمأنينة كاملة و لا قناعة تامة.

 ولنا في الأمر نظر آخر منطلق من اعتبارين اثنين: الأول أن لأبي حنيفة قول يتوافق مع قول جمهور الفقهاء، وهو رواية الحسن بن زياد عنه كما ذكره الطحاوي في شرح معاني الآثار و الكاساني في بدائع الصنائع، والاعتبار الثاني هو أن أبا حنيفة وارث علم عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي وكلاهما كان واسع المعرفة بالمواقيت وأحاديثها، ويستغرب من مثله أن يقول قولا منفردا لا معنى له ومخالف للأخبار الثابتة، على حد قول ابن المنذر.

نظرنا هو التالي: القولان المنقولان عن أبي حنيفة في حد أول العصر ( الظل قامة والظل قامتان ) افتاءان في ظرفين مختلفين، ففي الصيف حيث يكون ظل الزوال معدوما في مكة وصغيرا مهملا في الكوفة، حيث إقامة أبي حنيفة، يكون أول العصر متوافقا مع القول الأول المروي عن الحسن بن زياد( الظل قامة )، وفي الشتاء حيث يكون ظل الزوال في مكة المكرمة مساويا القامة، وفي الكوفة مساويا القامة وشيئا قليلا، يكون أول العصر مع صيرورة الظل قامتين، وهو المتوافق مع القول الثاني ( رواية محمد عن أبي حنيفة ).

 ونقل الفتوى مجردة عن ملابساتها وظروفها كثير الوقوع  وخاصة في الافتاءات المتعلقة بظروف جغرافية مختلفة( خط الطول وخط العرض مثلا )، ونورد على سبيل المثال الفتوى التالية لتوضيح الأمر:

 ينقل قاضي خان ( - 592 هـ ) في فتاواه ج1 ص73 عن محمد بن الحسن الشيباني فيقول: ( وعن محمد رحمه الله تعالى أنه جعل لمعرفة زوال الشمس طريقا آخر وهو أن يقوم الرجل مستقبل القبلة فما دامت الشمس على حاجبه الأيسر فالشمس لم تزل وان صارت على حاجبه الأيمن فقد زالت)، وهذه الطريقة كما نقلها قاضي خان لا معنى لها إلا إذا كانت القبلة باتجاه الجنوب وهذا يكون في المناطق التي تقع شمال مكة المكرمة ولها نفس خط طولها، ويبدو أن هذه الرواية عن محمد بن الحسن كانت عندما تولى قضاء الرقة للرشيد، والرقة لها نفس طول مكة المكرمة، فنقلُ قاضي خان الفتوى مجردة عن ظرفها( الفتوى في الرقة) جعلها لا معنى لها إلا في ظرف خاص.

 

 

 

5.  ملحق خامس: وقت العصر في أقوال أتباع الأئمة المجتهدين

( من القرن الرابع وما بعد)  ظهور مصطلح " سوى ظل الـزوال "

 

لحظنا في الفصول السابقة أن حد أول العصر كان يدور حول محاكاة القول النبوي الواصف لإمامة جبريل، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ظل كل شئ مثله، وكان يلجأ في بعض الأحيان إلى وصف الشمس أول العصر بأوصاف مختلفة تدل على ارتفاعها عن الأفق، ولم تظهر في الأدبيات الفقهية في الفترات السابقة عبارة ( سوى ظل الزوال ) أو ما يماثلها ، وان كان معناها حاضرا من خلال فكرة التقدير في فصل الشتاء كما جاء عند الشافعي في الأم.

وقد حاولنا تتبع ظهور العبارة في أدبيات القرن الثالث وما بعده، وهو ما نورده في الفقرة التالية، ولا نستبعد أن يكون قد فاتنا من المراجع ما لم يتوفر لنا الاطلاع عليه، وقد اقتصرنا في التتبع على ما هو مطبوع من أدبيات الفقهاء والعلماء، ولا نستبعد كذلك أن يقود التتبع للمخطوطات في أبحاث قادمة إلى نتائج مختلفة قليلا عما وصلنا إليه من تحديدات، ولكن يبقى السياق نفسه، فيما نظن، وهو تأخر ظهور المصطلح إلى القرن الثالث.

لاحظنا من خلال التتبع ظهور معنى المصطلح في كتابات الفلكيين أولا، أواخر القرن الثالث، ونحن نورد، فيما يلي، ما عثرنا عليه من أقوال منسوبة إلى أصحابها في كتبهم مع ذكر سني وفاتهم:

1.  ابن قتيبة الدينوري( - 276 هـ) في كتاب الأنواء: ( فأما البلد الذي تزول الشمس وللشخص فيه ظل، فانه يعرف قدر الظل الذي زالت عليه، وإذا زاد عليه مثل طول الشخص فذاك آخر وقت الظهر وأول وقت العصر...) ص 145، كتاب الأنواء.

2.  أبو حنيفة الدينوري ( - 282 هـ) في كتاب الزوال: ( فالزوال أول وقت الظهر، فمن أراد علم أول وقت العصر نظر كم ظل الزوال في اليوم الذي هو فيه، والبلد الذي هو فيه، ثم زاد عليه سبعة أقدام، ثم رصد الفئ حتى يصير مثل ذلك، فذلك أول وقت العصر) ج3، ص343، إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، لمرتضى الزبيدي.

وابتداء من القرن الرابع بدأت تظهر عبارات في كتابات الفقهاء تشير بشكل واضح إلى مفهوم (سوى ظل الزوال )، ونحن نستعرضها بترتيب ظهورها فيما يلي:

 

1.  عبد الله بن الجلاب المصري( - 378 هـ) في كتابه التفريع في باب مواقيت الصلاة: ( وآخر وقتها، إذا صار ظل كل شئ مثله بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، وهو أول وقت العصر ) ج1، ص219.

2.  أبو طالب المكي( - 386 هـ ) في كتابه قوت القلوب من كتاب معرفة الزوال: (فإذا قام الظل فاستقبل الشمس بوجهك ثم مر إنساناً يعلم طرف ذلك بعلامة ثم قس من عقبك إلى تلك العلامة فإن كان بينهما أقل من سبعة أقدام سوى ما زالت عليه الشمس من الظل فإنك في وقت الظهر ولم يدخل وقت العصر حتى يزيد الظل على سبعة أقدام سوى ما تزول الشمس عليه من الظل فذلك وقت العصر)

3.  عبد الوهاب البغدادي ( - 422 هـ) في كتابه التلقين، من كتاب الصلاة ):ثم لا يزال وقتها- صلاة الظهر- ممتداً إلى أن يكون زيادة الظل مثله، ويعتبر ذلك من وقت تناهي نقصانه وأخذه في الزيادة، لا من أصله... وهو بعينه أول وقت العصر) ص27.

4.  أحمد بن محمد القدوري( - 428 هـ) في كتابه الكتاب، والذي شرحه عبد الغني الميداني في الكتاب المشهور عند الحنفية( اللباب في شرح الكتاب): ( وآخر وقتها عند أبي حنيفة إذا صار ظل كل شئ مثليه سوئ فئ الزوال ..) ج1، ص71.

5.  محمد بن أبي موسى الهاشمي( - 428 هـ) في كتابه الإرشاد إلى سبيل الرشاد، في باب أوقات الصلاة: (.. وآخر وقتها- صلاة الظهر- أن يصير ظل كل شئ مثله، بعد مازالت عليه الشمس من الظل) ص49.

6.  أبو الريحان البيروني ( - 440 هـ) في كتابه إفراد المقال في أمر الظلال، في الباب الخامس والعشرين: ( وأول وقتها آخر وقت الظهر، ولذلك يتعلق بكون ظل كل شئ مثله بعد فئ الزوال عند أبي يوسف ومحمد والشافعي ) ص168.

7.  ابن حزم الأندلسي( - 456 هـ) في كتابه المحلى، في المسألة 235 من أوقات الصلاة: ( .. ثم يتمادى وقتها إلى أن يكون ظل كل شئ مثله، لا يعد في ذلك الظل الذي له في أول زوال الشمس، ولكن ما زاد على ذلك).

8.  ابن عبد البر القرطبي( - 463 هـ) في كتابه الكافي، في باب مواقيت الصلاة: ( إنما المثل والمثلين في الزائد على المقدار الذي تزول عليه الشمس) ج1، ص190.

9.  أبو إسحاق الشيرازي ( - 476 هـ) في كتابه المهذب، في باب مواقيت الصلاة:( وآخره- وقت الظهر- إذا صار ظل كل شئ مثله غير الظل الذي يكون للشخص عند الزوال ) ج1، ص183.

10.     السرخسي ( - 490 هـ) في كتابه المبسوط : (.. وقد قيل لابد أن يبقى لكل شئ فئ عند الزوال في كل موضع... وذلك الفئ الأصل غير معتبر في التقدير بالظل قامة أو قامتين بالاتفاق ).

11.     الغزالي ( - 505 هـ) في كتابه الوسيط في المذهب: ( فإذا صار ظل كل شئ مثله من موضع الزيادة خرج وقت الظهر )

12.     ابن الاجدابي ( - 650 هـ) في كتابه الأزمنة والأنواء، في باب أوقات الصلاة: ( ... وإذا صارت الزيادة مثل طول الشخص فذاك آخر وقت الظهر وهو نفسه أول وقت العصر ) ص117.

13.     النووي ( - 676 هـ) في كتابه روضة الطالبين، في الباب الأول في المواقيت: ( ويخرج وقتها إذا صار ظل الشخص مثله سوى الظل الذي كان عند الزوال ).

14.     حافظ الدين النسفي ( - 710 هـ) في كتابه كنز الدقائق وهو من أحسن مختصرات فقه الأئمة الحنفية: ( والظهر من الزوال إلى بلوغ الظل مثليه سوى الفئ )

15.     محمد بن الحاج في شرح النيل وشفاء العليل في فقه الاباضية: ( وآخر العصر قيل: إذا صار ظل كل شئ مثليه بعد قدر الزوال )

 

ونعطي في الجدول التالي رقم ( 4 ) تلخيصا لعبارات الفقهاء والفلكيين في النص على مفهوم( سوى ظل الزوال )مع ذكر الكتاب وسنة الوفاة والصفة.

 

الرقم

الوفاة

الاسم

الصفة

الكتاب

النص

1

276

ابن قتيبة

فلكي

الأنواء

يعرف الظل الذي زالت عليه الشمس، وإذا زاد عليه...

2

282

الدينوري

فلكي

الزوال

نظر كم ظل الزوال ثم زاد عليه سبعة أقدام

 

 

 

 

 

 

3

378

ابن الجلاب

مالكي

التفريع

بعد القدر الذي زالت عليه الشمس

4

386

أبو طالب المكي

متصوف

قوت القلوب

سبعة أقدام سوى ما تزول الشمس عليه من الظل

5

422

البغدادي

مالكي

التلقين

ويعتبر ذلك من وقت تناهي نقصانه لا من أصله

6

428

القدوري

حنفي

اللباب

كل شئ مثليه سوى فئ الزوال

7

428

الهاشمي

حنبلي

الإرشاد

بعد مازالت عليه الشمس من ظل

8

440

البيروني

فلكي

أمر الظلال

بعد فئ لزوال

9

456

ابن حزم

ظاهري

المحلى

لايعد في ذلك الفئ الذي كان له في أول زوال الشمس

10

463

ابن عبد البر

مالكي

الكافي

المثل والمثلان في الزائد على المقدار الذي زالت عليه الشمس

11

476

الشيرازي

شافعي

المهذب

غير الظل الذي يكون للشخص عند الزوال

12

490

السرخسي

حنفي

المبسوط

وذلك الفئ غير معتبر في التقدير في الظل قامة

13

505

الغزالي

شافعي

الوسيط

ظل الشخص مثله من موضع الزيادة

14

650

ابن الأجدابي

فلكي

الأزمنة

فإذا صارت زيادة الظل على ماكان عليه في نصف النهار

15

676

النووي

شافعي

الروضة

سوى الظل الذي كان عند الزوال

16

710

النسفي

حنفي

كنز الدقائق

بلوغ الشئ مثليه سوى الفئ

17

 

ابن الحاج

إباضي

شرح النيل

مثليه بعد قدر الزوال

الجدول رقم ( 4 )

 

تكرار الصفات: 

فلكي  4 ، حنفي  3 ، مالكي  3، شافعي  3، حنبلي  1 ، ظاهري  1، إباضي  1، متصوف 1

ملاحظات:

v   أول ظهور للعبارة  عند ابن الجلاب ( مالكي ).

v   أوضح عبارة عند القدوري ( حنفي ).

v   تأخر الشافعية في التعبير إلى الشيرازي، على الرغم من سبق إمامهم في التعبير عن معنى التقدير.

v   سبق الفلكيين في التعبير عن المفهوم ومنذ أواخر القرن الثالث.

 

 

ويلحظ من الجدول (4) بان أشكال التعبير عن المفهوم مختلفة ومتنوعة ونذكر منها ما تيسر لنا الوقوع عليه في عبارات الفقهاء والفلكيين في الكتب المذكورة آنفا وغيرها، ملخصة في الجدول التالي رقم (5):

 

الرقم

المستثنى منه

                  المستثنى

الكاتب

الكتاب

الوفاة

1

ظل كل شئ

   مثله

سوى الفئ

النسفي

كنز الدقائق

 

2

سوى فئ الزوال

القدوري

الكتاب

428

3

سوى الظل الأصلي وهو فئ الزوال

علاء الدين السمرقندي

مختلف الرواية

552

4

سوى الظل عند الزوال

النووي

الروضة

676

5

سوى ظل الزوال

محمد بن بلبان

مختصر الإفادات

1083

6

بعد فئ الزوال

البيروني

إفراد المقال

440

7

بعد قدر الزوال

 

النيل

 

8

بعد ظل نصف النهار

ابن أبي زيد القيرواني

الرسالة الفقهية

386

9

بعد مازالت عليه الشمس

الهاشمي

الإرشاد

428

10

بعد القدر الذي زالت عليه الشمس

ابن الجلاب

التفريع

378

11

غير الظل عند الزوال

الشبرازي

المهذب

476

12

من غير الزيادة

العمراني الشافعي

البيان

558

13

بغير ظل الزوال

خليل

مختصر خليل

 

14

في الزائد على المقدار الذي زالت عليه

ابن عبد البر

الكافي

463

15

لا يعد الفئ عند الزوال

ابن حزم

المحلى

456

جدول رقم (5)

ونذكر هنا بان كتبا معتمدة مهمة في المذاهب المختلفة في القرنين الرابع والخامس الهجريين لا تشير إلى أي نوع من الاستثناء ( سوى..، بعد...، غير... ) مكتفية بالتعبير الأصلي ( ظل كل شئ مثله ) نذكر منها:

الوفاة

المؤلف

الكتاب

الوصف

321

الطحاوي

مختصر الطحاوي

أول المختصرات عند الحنفية وأبدعها

334

الخرقي

مختصر الخرقي

 

415

احمد بن محمد المحاملي

اللباب في الفقه الشافعي

من أهم المصادر المتقدمة

422

عبد الوهاب المالكي

الإشراف على نكت الخلاف

 

476

الشيرازي

التنبيه

 

516

البغوي

شرح السنة

 

541

ابن قدامة

عمدة الفقيه

 

وهذا الإهمال لذكر الاستثناء هو ما دعا الزركشي ( - 720 هـ) في شرحه على مختصر الخرقي عند قول الماتن(إن آخر الوقت إذا صار ظل كل شئ مثله )، إلى القول: ( ولابد أن يلحظ في قوله: إن آخر الوقت إذا صار ظل كل شئ مثله، بعد فئ الزوال، ذلك أن الشمس إذا زالت يكون للشئ ظل في غالب البلاد فيعتبر مثل ذلك الشئ سوى ذلك الظل).

والحمد لله رب العالمين


Copyrights reserved IAC © 1998-2025. Powered and developed by Web design and development company amman, jordan. Web hosting and website and identity (logo) design