حقوق الطبع لهذا البحث محفوظة للمشروع الإسلامي لرصد الأهلة © 2007
المواد غير قابلة لإعادة النشر دون إذن مسبق
ثبوت
الشهر القمري
بين
الحديث
النبوي والعلم الحديث
الأستاذ الدكتور شرف القضاة
كلية
الشريعة - الجامعة الأردنية
المختصر
يتناول هذا البحث مسألة إثبات الشهر
القمري بالحساب والتقدير ، وذلك باستعراض أدلة الفريقين ومناقشتها ، مبينا أن
إثبات الشهر بالحساب هو الأصل الذي لم يكن متيسرا وقطعيا في العصور الأولى ، وأن
الوسيلة التي كانت متيسرة هي الرؤية إن كان الجو صحوا وإلا فالإكمال ثلاثين ، وأنه
لابد في عصرنا من الرجوع إلى الأصل لأنه أصبح متيسرا وقطعيا في النفي والإثبات على
حد سواء ، إذ لا فرق بينهما لا شرعيا ولا علميا .
ويتميز
البحث ببيان المعلومات الفلكية ذات العلاقة ، وحالات الشهادة المستحيلة علميا،
وبيان المشكلات التطبيقية في الشهادة والإكمال ، وميزات اعتماد الحساب .
ويخلص
البحث إلى ضرورة اعتماد الحساب ، واعتبار اختلاف المطالع ، وأن الهلال إذا ثبت في
بلد فقد ثبت في كل البلدان الواقعة على خط الطول نفسه ، وفي البلدان الواقعة غربه
من باب أولى ، وبذلك يدخل الشهر في كل الأرض في يوم واحد بالمعنى الشرعي .
Abstract
In this paper we discuss the issue of
lunation from Shari'a point of view. Can we rely on calculations or should we
be restricted to eyesight? In Sunna, we
have two confirmed Hadiths ( sayings of the prophet); one commanding us to
estimate, which means to make calculations, and the other commanding us to complete the thirty days of
the month if the seing of the new moon is not possible. The later case were followed in the early ages of Islam for two reasons; first , the calculations
were not accurate, and second, the Muslim Nation, during that period of time,
were nearly illiterate in this area.
Recently,
the astronomic calculations regarding the new moon, and consequently, regarding
lunation are not only very accurate, but
are rather precise and error
free. So, our opinion, which is deduced
from the sayings of the prophet, peace be upon him, is to rely on
calculations to determine lunation. Finally, we state that if the lunation is
proven in a certain area, it is then proven in all places at the same or, by the way, to the west of the longitude line passing through that area.
بسم
الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد :
فيعالج هذا البحث مشكلة واقعية وهي
الاختلاف الواقع في تحديد بداية الأشهر القمرية وبخاصة شهري رمضان وشوال ، فلا شك
أن هنالك خطأ يتسبب في هذا الاختلاف ، فأين يكمن هذا الخطأ ؟ وكيف يمكن التخلص منه
؟ .
وهذا الموضوع له
جانبان جانب شرعي نابع من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، وجانب فلكي معتمد على
قوانين حركة الأرض والقمر وموقعهما من الشمس .
ولقد كان علم الفلك
لقرون طويلة علما إسلاميا ، ووضع المسلمون كثيرا من قواعده وأصوله وقوانينه ، ولم
يكن هنالك انفصام بين العلوم الشرعية والعلوم الطبيعية ، ومنها علم الفلك ، فكنتَ
تجد الفقيه الطبيب كابن رشد الحفيد الذي له كتابان شهيران أحدهما في الفقه وهو (
بداية المجتهد ) والثاني في الطب وهو ( الكليات ) ، وكابن النفيس الدمشقي الذي كان
يدرِّس الفقه والطب ، وكثير غيرهما .
ثم جاءت عصور تقطعت
فيه الصلات بين هذه التخصصات ، وتقوقع كل تخصص على نفسه حتى في داخل التخصصات
الشرعية نفسها ، وأصبح التفاهم بين التخصصات الشرعية والطبيعية صعبا ، وافتعلت
مشكلة بين الإسلام والعلوم الطبيعية تقليدا ومحاكاة لما حدث في أوروبا ، وكان هذا
من المشكلات الثقافية الهامة التي أصابت الأمة الإسلامية في عصور انحطاطها .
ولذلك لا بد من
إعادة بناء الجسور التي هدمت بين هذه التخصصات إذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض من
جديد ، ويأتي هذا البحث في هذا الإطار الذي أرجو أن يعيد للأمة شيئا من تماسكها
الثقافي في وجه ما تلاقيه من هجمات شرسة في كل مجالات الحياة.
وسأتناول جانب
الحديث النبوي والجانب الفلكي ، دون الخوض في الجانب الفقهي الذي يحتاج بحثا خاصا
، وقد كتبت فيه فعلا بحوث متعددة قديما وحديثا .
والله الموفق وعليه
وحده الاتكال .
بماذا
يثبت الشهر ؟
لاشك أن الشهر يثبت بالرؤية ، ولا شك
أنه يثبت بالإتمام عندما يغم على الناس ،كما كان ذلك متبعا في عصر النبي صلى الله
عليه وسلم ومن بعده إلى عصرنا هذا ، ولكن هل يثبت الشهر بالحساب والتقدير ؟ في هذه
المسألة رأيان مشهوران :
أولهما : أن الشهر
لا يثبت بالحساب والتقدير وهو قول الجمهور قديما وحديثا .
ثانيهما : أن الشهر
يثبت بالحساب والتقدير وهذا الرأي لم يقل به في القرون الأولى إلا قلة ، ولكن
أتباعه يزدادون جيلا بعد جيل .
أدلة الرأي الأول ومناقشتها :
استدل أصحاب الرأي الأول بما يلي :
1. بحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا
يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّا
أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا
وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا
وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ ) [1]
.
قال ابن حجر
العسقلاني : إن الحديث علق الحكم بالصوم بالرؤية لرفع الحرج عنهم في معاناة
حساب التسيير [2]
.
وقال القرطبي تعليقا
على الحديث : إن الله لم يكلفنا في تعرف مواقيت صومنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب
ولا كتابة ، وإنما ربطت عبادتنا بأعلام واضحة وأمور ظاهرة يستوي في معرفتها
الحُسَّاب وغيرهم [3]
.
فالحديث ينفي ويرفع
الحرج ولا ينهى ، إنه ينفي أن تكون الأمة الإسلامية في ذلك الوقت أمة متقدمة في
العلوم بعامة وفي علم الفلك بخاصة ، وليس في الحديث نهي عن الحساب ، وإلا كان
معناه تحريم علم الحساب بعامة - أي علم الرياضيات - وتحريم حساب حركة الأجرام
السماوية بخاصة - أي علم الفلك – ولم يقل بهذا أحد .
بل لو أننا فهمنا
الحديث على هذا النحو لكان معناه تحريم تعلم الكتابة أيضا لأن الحديث يقول ( لا
نكتب ) وهذا ما لم يقل به أحد ، ويتعارض مع كل الآيات والأحاديث التي تأمر بالعلم
بمعناه الشامل .
2. وبحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَــالَ ( صُومُوا
لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ) [4]
.
فقالوا إنه لا بد من
الرؤية ، لأن الحديث رتب الأمر بالصوم على الرؤية ، وقد تعبدنا الله بذلك .
وقد جعل أصحاب هذا
الرأي الرؤية شرطا لثبوت الشهر ، ولم يعتبروها وسيلة لإثباته، وهذا مرجوح لأمور :
أولها : أن الشهر
يثبت بالإكمال في حال الغيم بنص الأحاديث المعروفة التي ستأتي في أدلة أصحاب الرأي
الثاني ، ولذلك لا تشترط رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الثلاثين لإثبات دخول
الشهر باتفاق ، لأن وجوده في هذه الحالة لا شك فيه ، فالعبرة إذن بتيقن وجوده مع
إمكان رؤيته لو لم يحل دون ذلك غمام [5]
.
ثانيها : أنهم لم
يطبقوا ذلك على أحاديث أخرى كحديث ( إذا رأيتم الليل أقبل من هاهنا فقد أفطر
الصائم ) [6]
، والمسلمون منذ زمن طويل يصومون ويفطرون على الحساب والتقدير من غير نكير ، ولا
يراقبون طلوع الفجر وغروب الشمس بالعين كما كانوا يفعلون زمن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وزمن من بعده من أهل القرون الأولى الفاضلة ، فلماذا لم يجعلوا الرؤية
هنا شرطا للإفطار ؟ .
ثالثها : أن الحديث
خرج مخرج الغالب [7]
، كما هو الشأن في كثير من النصوص الشرعية ، والسبب في ذلك أن هذه هي الوسيلة التي
كانت متاحة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن متاحا للأمة الإسلامية في
ذلك الوقت الحساب الفلكي القطعي ، بل ولا الذي يحقق غلبة الظن .
3. أن الحساب من علم النجوم ، وقد نهانا الإسلام
عن ذلك ، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قال رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ
وَبِرِزْقِ اللَّهِ وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَجْمِ كَذَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ
كَافِرٌ بِي ) [8]
.
قال ابن بزيزة : فقد
نهت الشريعة عن الخوض في علم النجوم لأنه حدس وتخمين ليس فيه قطع ولا ظن غالب ، مع
أنه لو ارتبط الأمر بها لضاق [9]
.
وهذا الدليل أيضا لا
يدل على النهي عن تعلم حساب حركة النجوم ولا عن اعتماده في إثبات الشهر ، بل هو
نهي عن التنجيم الذي هو ادعاء علم المستقبل من خلال حركة النجوم ، والزعم أن
للنجوم تأثيرا في حياة الإنسان وأن مستقبل الإنسان يتحدد بناء على برجه أي التاريخ
الذي ولد فيه .
4. أن الحساب ظني لا تقوم به الحجة ، كما في كلام
ابن بزيزة الآنف الذكر ، والدليل على أنه ظني أن التقاويم التي تصدر عنهم تختلف في
بدايات الشهور فيما بينها .
ولقد كان هذا الدليل
صحيحا في القرون الأولى من الإسلام ، ولكن علم الفلك تقدم كثيرا بعد ذلك عبر
القرون ، حتى أصبح قبل مئات السنين في نطاق غلبة الظن ، ثم أصبح في مسألة بداية
الشهر القمري علما قطعيا كما سأبينه لاحقا .
5. أن في الحساب تكليفا للناس بما لا يطيقون ، قال
النووي : قالوا ولا يجوز أن يكون المراد - أي بحديث فاقدروا - حساب المنجمين لأن
الناس لو كلفوا به ضاق عليهم [10]
. وكما في كلام ابن حجر وابن بزيزة الذي سبق ذكره ، فمن أين للناس في كل بلدة أو
قرية متخصص في علم الفلك .
وهذا كلام صحيح فيما
مضى أيضا حينما كانت وسائل المواصلات بطيئة ، ولم يكن من الممكن أن يُنقل خبر
بداية الشهر إلى أماكن بعيدة خلال ساعات أو يوم ، ولكن هذا في عصرنا عصر الإذاعة
والتلفزيون والهاتف والفاكس والإنترنت لا يكلف الناس شيئا من المشقة ، بل إن
الحساب الآن أسهل عليهم من المراقبة بالعين المجردة في كل منطقة ، فيكفي وجود عدد
قليل من المتخصصين في علم الفلك في العالم الإسلامي كله يحددون بداية الشهر
ويبلغون الناس بذلك في دقائق .
وهكذا وبعد مناقشة
الأدلة فإن أدلة هذا الرأي بعضها لا يصح أصلا ، وبعضها يصف واقعا معينا قبل قرون
طويلة ولا ينطبق ذلك على عصرنا إطلاقا .
أدلة الرأي الثاني ومناقشتها :
يمكن أن يستدل لأصحاب الرأي الثاني بما
يلي :
1. بقول الله تعالى { شهر رمضان الذي أُنزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه … الآية } [11]
.
2. عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ
عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا
رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ
رَمَضَانَ ) [12]
.
ووجه الاستدلال
بهذين الدليلين أن الله قد فرض علينا أن نصوم كل أيام شهر رمضان متى ثبت الشهر ،
وقد كانت الرؤية ثم الإكمال خير وسيلة لذلك ، أما الآن فإن الحساب هو الوسيلة
الأفضل لبعدها عن الخطأ ، ويؤكد ذلك الدليل التالي .
3. عن ابن عمر رَضِي اللَّه عَنْهمَا يُحَدِّثُ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ
لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ
الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي
تَمَامَ ثَلَاثِينَ ) [13]
.
قالوا إن هذا الحديث
يدل على أن الأصل في إثبات الشهر أن يكون بالحساب ، ولأن هذا الأصل غير متيسر في
عصر النبي صلى الله عليه وسلم فقد تم اللجوء إلى البديل وهو الرؤية ، وإلا فما وجه
ذكر أن الأمة أمية لا تكتب ولا تحسب ؟ فالعلة في إثبات الشهر بالرؤية هي أن الأمة
لا علم لها بعلم الفلك ، والمعلول يدور مع العلة وجودا وعدما ، أما في عصرنا فقد
تيسر الأصل فلماذا نلجأ إلى البديل ؟ [14]
.
4. وبحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ( إِذَا
رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ) [15].
وقد اختلف العلماء
في معنى التقدير الوارد في الحديث على ثلاثة آراء [16]
:
أولها : قدروه تحت السحاب ، أي اجعلوه
تسعة وعشرين ، وعلى هذا الرأي أحمد وغيره.
ثانيها : قدروه بحساب المنازل ، أي
اعتمدوا فيه الحساب ، وعليه ابن سريج وغيره .
ثالثها : قدروا له تمام العدة ثلاثين ،
وعليه الجمهور .
والذي أرى أنه
الراجح هو الرأي الثاني لما يلي :
أولا : أن معنى هذا
الحديث كمعنى الحديث الوارد في مدة مكث الدجال وأنه يمكث أربعين يوما منها يوم
كسنة ( قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال صلى
الله عليه وسلم : لا اقدروا له قدره ) [17]
، فلا شك أن المعنى هنا هو الحساب لكل صلاة بحيث يصلون في ذلك اليوم صلاة سنة .
ثانيا : تبين لي بعد
جمع الروايات ورسم شجرة الأسانيد ومقارنتها ما يلي : اتفق كل الرواة من طريق سالم
عن ابن عمر ، ومن طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر على رواية ( فاقدروا له ) كما
هو في البخاري ومسلم والموطأ والنسائي وابن ماجة وأحمد ، وبعض أسانيدهم مما قيل
فيها : أصح الأسانيد .
وأما رواية ( اقدروا
له ثلاثين ) فقد اختلف فيها الرواة عن نافع عن ابن عمر ، فروى أكثرهم ( فاقدروا له
) من غير لفظة ثلاثين ، كما في البخاري ومسلم والموطأ والدارمي وأحمد ، وعدد هذه
الروايات إحدى عشرة رواية ، ولم ترد رواية ( فاقدروا له ثلاثين ) إلا في ثلاث
روايات من طريق نافع كما في مسلم وأبي داود .
ولذلك فإن رواية (
فاقدروا له ) هي الرواية الأصح من حيث عدد الرواة ، ومن حيث قوة ضبطهم .
5. أن الحساب كان ظنيا ، بل كان دون ذلك ، ولكنه
الآن أصبح قطعيا لأن حركة الأجرام السماوية من شمس وقمر وغيرهما حركة منتظمة لها
قانون ثابت ، يقول الله تعالى { الشمس والقمر بحسبان } [18] أي بحساب ثابت دقيق جدا ، كما تدل عليه صيغة
المبالغة .
ويقول سبحانه { والقمر قدرناه منازل
حتى عاد كالعرجون القديم ، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق
النهار وكل في فلك يسبحون } [19]
.
ولقد بدأت محاولات
الإنسان لمعرفة قوانين حركة المجموعة الشمسية منذ زمن سحيق ، وبدأ العلماء يحققون
شيئا من التقدم منذ آلاف السنين ، ولكن حساباتهم كانت ظنية ، واستمر العلماء في
تعديل حساباتهم حتى أصبحت في عصرنا غاية في الدقة ، وحتى أصبحوا يحسبون الشهر
القمري بأجزاء الثانية ، وأصبح من المعلوم لديهم جميعا دون اختلاف أن متوسط الشهر
القمري هو : 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية ، أفيمكن بعد
ذلك أن يقال إن الحسابات الفلكية ظنية ! .
ولذلك تعرف ولادة القمر باليوم والساعة
والدقيقة والثانية لمئات السنين القادمة ، وهي الآن موجودة ومعلنة ومطبوعة لعشرات
السنين القادمة [20]
، كما أنها موجودة في برامج الحاسوب ، وعلى شبكة الإنترنت ، وليس ذلك من العلم
بالغيب في شيء ، وإنما يدل على أن لهذا الكون سننا وقوانين ثابتة لا تتغير ولا
تتبدل .
وأما ما يقال من
اختلاف التقاويم فيما بينها فليس سببه اختلاف المتخصصين ، فهذه التقاويم لا تصدر
عن المتخصصين ولا عن المراكز العلمية ، وإنما تصدر عن بعض المقومين الذين تعلموا
ذلك من كتب وجداول قديمة مضت عليها مئات السنين ، وفيها أخطاء ، ولم يدرس هؤلاء
المقومون علم الفلك الحديث ، ومع ذلك فإن بعض وسائل الإعلام تخلط - كما هو شأنها -
وتصفهم أنهم علماء في الفلك ، وهذا كمن يخلط بين الطب الشعبي والطب الحديث وبخاصة
في مجال التشخيص بعد كل التقدم الموجود في علم المختبرات وما شاكلها من وسائل .
ومما يؤكد هذه الدقة
أن حسابات الكسوف والخسوف دقيقة جدا رغم أنها أصعب بعشرات المرات من حساب بداية
الشهر القمري ، ومع ذلك يحدد العلماء قبل عشرات بل مئات السنين مواعيد الكسوف
والخسوف باليوم والساعة والدقيقة ، ويحددون الأماكن التي يرى منها ، وكم سيستمر ،
وهل سيكون كليا أم جزئيا ، وكل ذلك يتحقق بدقة كما يعرف المتابعون لذلك [21]
، فإلى متى يمكن تجاهل ذلك ؟ ولماذا يتم تجاهله؟ ولماذا يريد البعض أن يضع الإسلام
في موضع المعارضة للحقائق العلمية الحديثة؟ وأن يوقع الإسلام في مثل ما أوقعت به
الكنيسة في أوروبا نفسها ، مما أدى إلى فصل الدين عندهم عن الحياة ، ولمصلحة من
يتم ذلك ؟ بالرغم من أن الإسلام - وهو دين العلم - لم ينه عن الأخذ بالحساب
والتقدير وبخاصة إذا كان قطعيا ، بل قد أشار إليه ، بل قد أمر به ، كما سبق ذكره
في أدلة أصحاب الرأي الثاني .
وهكذا يمكن فهم
الحديثين المتعلقين بحالة الغيم ( فإن غم عليكم فأكملوا ) و( فإن غم عليكم فاقدروا
) بشكل متكامل ، فإنه لا تعارض بين الحديثين ، وإنما يطبق كل منهما في حالة غير
الأخرى ، فإن كان الحساب ظنيا ، أو كانت الأمة أمية في هذا المجال فالحكم الشرعي
هنا هو الإكمال ، وأما إن كان الحساب قطعيا أو قريبا من ذلك فإن المطلوب في هذه
الحالة هو التقدير ، ولعل أول من قال بهذا الرأي هو ابن سريج [22] أحد كبار الفقهاء في القرن الثالث الهجري ، ولذلك
نقل ابن العربي عنه أن حديث ( فاقدروا ) خطاب لمن خصه الله بهذا العلم [23].
وهكذا فإنه يتبين من
خلال مناقشة الرأيين أن الرأي الثاني الذي يأخذ بالحساب والتقدير هو الأرجح في
عصرنا بعد أن زالت عن الأمة الإسلامية أميتها ، وبعد أن أصبح علم الفلك في مجال
حساب حركة القمر والأرض علما قطعيا .
هل
التقدير للإثبات والنفي أم للنفي فقط ؟ :
فرَّق بعض العلماء بين الأخذ بالحساب
بين حالتي النفي والإثبات ، فقالوا لا نثبت الشهر إلا بالرؤية أو الإكمال في حالة
الغيم تطبيقا للأحاديث التي استدل بها الفريق الأول ، ولا يأخذون بالحساب إلا في
نفي شهادة الشهود إذا شهدوا برؤية الهلال وكان الحساب يقول باستحالة تلك الرؤية .
وقد ظهر هذا الرأي
في وقت متأخر نسبيا ، حيث بدأت الأمة تخرج من أميتها الفلكية ، وبدأت الحسابات تدل
على استحالة بعض الشهادات ، ولعل أول من قال بهذا - إذا كانت الحسابات قطعية في
النفي لا في الإثبات - هو تقي الدين السبكي [24]
في النصف الأول من القرن الثامن الهجري حيث قال : وهاهنا صورة أخرى وهو أن يدل
الحساب على عدم إمكان رؤيته … فلو أُخبرنا به بخبر واحد أو أكثر ممن يحتمل خبره الكذب أو الغلط
.. لم تقبل الشهادة ، لأن الحساب قطعي والشهادة والخبر ظنيان ، والظن لا يعارض
القطع فضلا عن أن يقدم عليه ، والبينة شرطها أن يكون ما شهدت به ممكنا حسا وعقلا
وشرعا .. والشرع لا يأتي بالمستحيلات [25].
ولم يثبت السبكي
الشهر بالحساب لسبب ذكره فقال : إن الحساب - لدخول الشهر - إنما يقتضي الإمكان ،
ومجرد الإمكان لا يجب أن يرتب عليه الحكم .. والفرق بينه وبين أوقات الصلاة أن
الغلط قد يحصل هنا كثيرا بخلاف أوقات الصلاة يحصل القطع أو قريب منه غالبا [26]
. فسبب أخذه بالحساب في النفي فقط هو أن علم الفلك في عصره - أي قبل سبعة قرون -
كان قطعيا في النفي دون الإثبات ، أو هكذا ظن السبكي رحمه الله ولذلك فإن السبكي
ممن يقول باعتماد الحساب في الإثبات أيضا إذا صار الحساب قطعيا كما في عصرنا .
وممن قال به من
المتأخرين محمد مصطفى المراغي شيخ الأزهر [27]
، والشيخ علي الطنطاوي حيث يقول : وهذا الحساب قطعي ، بينما الشهادة على الرؤية غير
قطعية فربما توهم الشاهد أو كذب … وخلاصة رأي السبكي الذي يجمع بين العمل بحديث ( صوموا لرؤيته )
وبين حقائق علم الفلك هي أن نسأل أولا علماء الفلك هل يمكن أن يُرى الهلال هذه
الليلة ؟ فإن قالوا : نعم ، تحرينا رؤيته … وإن قالوا بأنه لا يمكن أن يُرى رددنا شهادات الشهود … وأنا أرجو ممن يقرأ هذه الفتوى … أن يفكر في رأي السبكي فإن فيه العمل بالسنة وفيه اتباع حقائق
العلم ، وأرجو من أهل العلم وأرباب الأقلام أن يتكلموا فيه [28]
.
وهؤلاء الثلاثة ممن مارس القضاء ، وخبر
الأمر عمليا ، واطلع على الأعاجيب في شهادات الشهود ، وقد أخذ بهذا الرأي عدد من
المحاكم الشرعية في الدول الإسلامية كمصر والأردن ، ويقول بهذا الرأي عدد من
العلماء اليوم ، وذلك محاولة للتقريب بين رأي من يأخذ بالحساب مطلقا ، ورأي من
يرفضه مطلقا .
ولا شك أن هذا الرأي أقرب إلى الصواب من
رأي من يرفض الحساب مطلقا ، ويقبل شهادة من يشهد برؤية الهلال ولو قبل ولادته بيوم
كامل .
وميزة هذا الرأي ما
يلي :
1. أنه يحاول التوفيق بين الرأيين السابقين .
2. أنه في الحقيقة درجة للوصول إلى الأخذ بالحساب
في الإثبات والنفي .
3. أنه يعالج المشكلة كما يعيشها العالم الإسلامي
اليوم ، فالمشكلة الرئيسية في عصرنا ليست في عدم رؤية الهلال لغيم أو غيره مع أن
الحساب يثبت وجوده ، ولكن المشكلة التي تتكرر في أكثر السنين هي الشهادة برؤية
الهلال قبل ولادته .
ولكننا لو دققنا في
هذا الرأي لم نجد له ما يؤيده لا شرعيا ولا علميا ، فالنصوص الشرعية لم تفرق بين
النفي والإثبات في الأخذ بالحساب والتقدير ، وبخاصة حديث ( فإن غم عليكم فاقدروا
له ) ففي الحديث أمر بالتقدير لإثبات الشهر ، وليس لنفي الشهادة ، وأما علميا فلا
فرق في دقة الحساب وقطعيته بين حساب إثبات دخول الشهر ، وحساب نفي دخوله .
وهكذا فإن الراجح في
عصرنا أن اعتماد التقدير والحساب يكون للنفي والإثبات سواء بسواء ، وذلك لما يلي :
1. لأن الحساب هو الأصل الذي لم يكن متيسرا في
العصر النبوي فجاء الأمر بالصوم إذا رئي الهلال بديلا عنه ، كما دل على ذلك حديث (
إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ ).
2. ولأن الشهادة بالرؤية غالبا ما تكون ظنية وكذلك
الإكمال ، بينما الحساب في عصرنا قطعي ، وكلها وسائل فنأخذ في كل عصر بأقوى وسيلة
.
3. وتطبيقا لحديث ( فإن غم عليكم فاقدروا له ) .
ونكون بذلك قد أخذنا
بالنصوص الشرعية ، وفهمناها بطريقة متكاملة ، ونكون في الوقت نفسه قد أخذنا
بالحقائق العلمية الحديثة ولم نهملها ، ومن أشهر من قال بهذا الرأي قديما مطرف بن
عبد الله من كبار التابعين [29] ،
وأبو العباس بن سريج من كبار الفقهاء في القرن الثالث الهجري ، وابن قتيبة
الدينوري [30]
، والسبكي إن كان الحساب قطعيا ، حيث يعلق على حديث ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين )
فيقول : وقد يقال إنه يرد على القائلين بجواز الصوم أو وجوبه إذا دل الحساب على
رؤيته ، ووجه الاعتذار عنه أنه لما دل على الصوم بإكمال ثلاثين من غير رؤية فهمنا
المعنى وهو طلوع الهلال وإمكان رؤيته ، وهما حاصلان بالهلال في ليلة الثلاثين في
بعض الأوقات [31]
.
ويقول في مكان آخر :
وإذا غم الهلال علينا في مثل ذلك فيقوى اعتماد الحساب والحكم بالهلال كما قاله
كثير من الأصحاب [32]
.
ومن أشهر من قال به
في عصرنا الشيخ أحمد شاكر حيث قال : فإذا خرجت الأمة عن أميتها وصارت تكتب وتحسب … وجب أن يرجعوا إلى اليقين الثابت ، وأن يأخذوا في إثبات الأهلة
بالحساب وحده [33]
.
والشيخ مصطفى الزرقا
الذي تبنى هذا الرأي في مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة ، ولكن هذا الرأي لم
يحصل على أكثرية الأصوات [34]
.
والدكتور يوسف
القرضاوي حيث قال : إن الأخذ بالحساب القطعي اليوم وسيلة لإثبات الشهور يجب أن
يقبل من باب قياس الأولى ، بمعنى أن السنة التي شرعت لنا الأخذ بوسيلة أدنى
لما يحيط بها من الشك والاحتمال - وهي الرؤية - لا ترفض وسيلة أعلى وأكمل وأوفى
بتحقيق المقصود [35].
لمحة
فلكية
يدور القمر حول الأرض في مدار إهليلجي ،
ولذلك فإنه يقترب أحيانا من الأرض فيكون في الحضيض ، ويبتعد أحيانا أخرى فيكون في
الأوج ، وكلما اقترب زادت سرعته لئلا ينجذب إلى الأرض ويصطدم بها ، وكلما ابتعد
قلت سرعته لكيلا ينفلت من الجاذبية ويخرج عن مساره ، ويتم كل هذا بنظام دقيق وضعه
الله - سبحانه وتعالى - ببالغ حكمته ،
ويعرف هذا القانون بقانون كبلر .
والأرض تدور كذلك
حول الشمس في مدار إهليلجي بحسب القانون نفسه ، فتكون الأرض أبعد ما تكون عن الشمس
وفي أقل سرعة لها في 21/6 وفي 21/12 من كل سنة وتكون أقرب ما تكون من الشمس وفي
أقصى سرعة لها في 21/3 وفي 23/9.
فإذا أصبح مركز كل
من الشمس والأرض والقمر على خط واحد سُمي ذلك : الاقتران ، وفي هذه الحالة
فإن الوجه المضيء من القمر الذي يواجه الشمس لا يواجه شيء منه الأرض ، فلا تمكن
رؤية شيء منه ، ويسمى هذا الوضع أيضا : المحاق ، وذلك لانمحاق أي : انعدام
رؤية أي شيء من القمر [36]
.
ويحدث الاقتران
بمعدل كل : 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية [37]
، وهذا هو متوسط الشهر القمري ، أي إن متوسط الشهر القمري هو : 29,53 يوما [38]
.
ومن المستحيل أن
تكون أكثر أشهر السنة 29 يوما ، أو أن يكون رمضان أو أي شهر آخر في أغلب السنوات – لسنوات طويلة - تسعة وعشرين يوما ، لأن متوسط الشهر القمري أكثر
من تسعة وعشرين يوما ونصف اليوم ، فاحتمال كون الشهر ثلاثين يوما هو 53% ، بينما احتمال كونه تسعة وعشرين يوما هو 47% ،
ولهذا السبب كان الأمر النبوي بإكمال الشهر إذا غم على الناس لأن غالب الأشهر
ثلاثون يوما .
ولذلك فإن العلماء
يعلمون علم اليقين اليوم والساعة والدقيقة بل والثانية التي يتم فيها الاقتران ،
وكل هذا معلوم لعشرات السنين القادمة ، وهو معلن ومنشور ، ويعرفه أهل الاختصاص
والمهتمون بذلك [39] .
وهذا الاقتران يتم في اللحظة ذاتها لكل
الكرة الأرضية ، أي لا يختلف باختلاف المطالع ، وموعده - كما ذكرت سابقا - أمر
قطعي لا يختلف فيه المتخصصون .
وإذا حدث الاقتران
قبل منتصف الليل - بتوقيت جرنيتش - فيعد ذلك بداية الشهر فلكيا ، ولكنه ليس بداية
الشهر شرعيا ، لأنه تستحيل رؤية الهلال في هذه الحالة ، ولا بد لبداية
الشهر شرعا من رؤية الهلال الجديد بعد غروب الشمس ، أو إمكان رؤيته على الأقل .
وإذا حدث الاقتران
وقت غروب الشمس فإن القمر في هذه الحالة يغيب مع غياب الشمس وتستحيل رؤيته
لأن الوجه المضيء للقمر بأكمله باتجاه الشمس ، وليس مقابل الأرض إلا الوجه المظلم
.
أما إذا حدث
الاقتران قبل غياب الشمس بعدة ساعات فإن القمر يغيب بعد الشمس بوقت قصير لا يكفي
لإمكانية رؤيته ، فإن سرعة الشمس الظاهرية
أكبر من سرعة القمر كما يراهما المراقب من فوق سطح الأرض .
ومتوسط الزمن الذي
يتأخره القمر عن الشمس حوالي 48 دقيقة في كل يوم ، ومعنى هذا أن القمر يتأخر عن الشمس
– كما يراهما أهل
الأرض - بمعدل دقيقتين في كل ساعة ، فإذا تم الاقتران قبل غروب الشمس بخمس ساعات
فإن القمر سيغيب بعد الشمس بعشر دقائق ،
وهذا بشكل متوسطي [40]
، وفي هذه الحالة أيضا تستحيل رؤية الهلال الجديد لأمرين :
أولهما : أن الجزء
المواجه للشمس والأرض معا ، أي الجزء المضيء من القمر بالنسبة لمن هو على سطح
الأرض صغير جدا جدا لا يساوي إلا حوالي جزءا من سبعين جزءا من القمر بدرا .
ثانيهما : أن الهلال
الصغير هذا يكون قريبا جدا من الشمس ، وهو في مجالها الضوئي القوي ، بحيث تكون
أشعتها في الأفق بعد الغروب بعدة دقائق أقوى من ضوء الهلال الوليد .
ولذلك فمن
المستحيل أن يرى الهلال إلا إذا تأخر غيابه عن غياب الشمس بما لا يقل عن ( 29
) دقيقة [41]
، وهذا يعني أن يكون قد مضى على الاقتران حوالي ( 15) خمس عشرة ساعة بشكل متوسطي ، أما إذا كانت الأرض في أقرب
ما تكون من الشمس أي في أقصى سرعة لها ، وكان القمر كذلك في الحضيض ، أي في أقصى
سرعة له ، فإنه يمكن أن يُرى الهلال بعد حوالي 12 ساعة من الاقتران ، وأما إن كانت
الأرض في أبعد نقطة لها عن الشمس أي في أقل سرعة لها ، وكان القمر كذلك في الأوج ،
أي في أقل سرعة له فلا يرى الهلال قبل مرور حوالي 18 ساعة على الاقتران .
ومن الجدير بالذكر
أن هذه المعلومات والأرقام قد وضعت بعد مراقبة مستمرة - لمئات السنين - من قبل كثير من المراصد ، ومن قبل كثير من
الهواة الذين يراقبون الهلال في مختلف أنحاء العالم وبخاصة - للأسف الشديد -
العالم غير الإسلامي ، وإن أقل زمن أمكنت رؤية الهلال فيه بعد الاقتران يعد من
الأرقام القياسية التي تسجل ، وإذا ثبت أن أحدا رأى الهلال بعد الاقتران بزمن أقل
فإن هذا الرقم الجديد يسجل ، ولكن الأمر بلغ من الدقة أن الرقم الجديد لا يختلف عن
الرقم القديم إلا بالدقيقة أو أجزائها .
وتستحيل رؤية الهلال
بعد الغروب - وهي الرؤية المعتبرة شرعا - إذا
رئي صباحا قبل طلوع الشمس ، لأن هذه الرؤية تعني أن الاقتران لم يحدث بعد ، وأن
القمر لازال - كما يُرى من فوق الأرض - أمام الشمس ، وهذا يعني أنه لا بد من مرور
12 ساعة على الأقل - إذا كانت الأرض والقمر في أقصى سرعة لهما - حتى يحدث الاقتران
، وإلى 12 ساعة أخرى بعد الاقتران لتمكن رؤيته ، ويجب مرور هذا الوقت كله وهو 24
ساعة على الأقل ما بين رؤيته قبيل طلوع الشمس وما بين بعيد غروب الشمس ، وهذا
مستحيل حتى في أطول نهار من أيام السنة .
كما أنه من المستحيل
رؤية الهلال قبل حدوث الاقتران بساعات ، لأنه في هذه
الحالة سيغيب قبل الشمس ، ومن المستحيل أن يُرى على صغره أثناء سطوع الشمس ، وحتى
لو رئي - فرضا - فلا يعتد بهذه الرؤية لأن هذا الهلال ليس هو هلال الشهر الجديد ،
وإنما هو بقية هلال الشهر السابق ، ولذلك لا يعتد بهذه الرؤية لا شرعيا ولا فلكيا
.
ومن المستحيل أن
تتم رؤية الهلال أول ما يُرى في كل شهر أو في أغلب الشهور في منطقة بعينها ، أو في
دولة واحدة من بين دول العالم كلها ، فليتنبه إلى ذلك [42]
.
مشكلات
الشهادة والإكمال
الشهادة بالمستحيل
لازال بعض الناس يظن أن الرؤية يمكن أن
تتعارض مع الحسابات الفلكية ، وما سبب هذا الظن إلا بُعدهم عن هذا التخصص وما وصل
إليه علم الفلك في هذا المجال ، والصحيح الذي لا شك فيه عند كل من له إلمام علمي
بهذا الموضوع أنه لا يمكن بحال من الأحوال أن تتعارض الرؤية مع الحسابات الفلكية ،
وإنما الممكن والموجود كثيرا هو أن تتعارض الشهادة مع الحسابات ، وفرق كبير بين
الأمرين ، ذلك أن شهادة واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أي عدد من آحاد الناس شهادة
ظنية ، ولا تكون الشهادة قطعية إلا أن تكون متواترة ، أي أن يشهد بالرؤية عدد
يستحيل - عادة - وقوعهم في الكذب أو الخطأ ، ولا يتحقق هذا إلا قليلا .
ومن المعلوم أن
الشهادة بالمستحيل شهادة غير مقبولة ، فمن شهد في عصرنا أنه رأى بعض الصحابة ، أو
حضر غزوة بدر حكمنا برد هذا الخبر أو هذه الشهادة .
وإذا ثبت أن الشمس
قد غابت أمس في تمام الساعة الخامسة ، ثم جاء من يخبر أنها غابت اليوم في الرابعة
حكمنا برد كلامه ، لأنه معلوم عادة أنه لا يمكن أن يكون الفرق في غروب الشمس بين
يومين متتاليين أكثر من دقيقة أو دقيقتين ، فكيف يمكن أن يكون هذا الفرق ساعة ؟
وكيف يمكن أن نقبل شهادة من شهد برؤية الهلال قبل ولادته بساعات ؟.
مشكلات الشهادة برؤية الهلال
إن للشهادة بالرؤية مشكلات متعددة يعاني
منها المسلمون في العالم مع بداية كل شهر من أشهر رمضان أو شوال ، وتتركز هذه
المشكلات في أن الشهادة بالرؤية إنما تكون عادة من واحد أو اثنين أو عدد قليل من
الشهود ، وتعد هذه الشهادة شهادة ظنية تحتمل الخطأ ، وتحتمل الكذب ، ولذلك لم يقبل
الحنفية الشهادة في حال الصحو إلا من جمع كثير يقع العلم بخبرهم [43]
.
ومن أسباب الخطأ ما
يلي :
1. عدم صفاء الجو ، فمن المعلوم أن جو الأرض في
القرنين الأخيرين قد تكدر وتعكر كثيرا ، وذلك نتيجة لما أطلقته المصانع والآلات
ووسائل المواصلات الحديثة في جو الأرض ، مما جعل التلوث في الجو يصل إلى مستويات
لم تعرفها البشرية من قبل ، ولذلك فقد يكون الهلال موجودا ولا يُرى ، وهذه مشكلة
حديثة نسبيا .
2. كثرة الطائرات في الجو مما يجعل أشعة الشمس بعد
غروبها عن الشخص الـذي يراقب عن سطح الأرض تبقى فترة من الزمن في مقابلة هذه
الطائرات ، ويُحدث ذلك لمعانا يراه الذي يقف على الأرض ، ويظنه بعض الناس الهلال
الجديد .
وقد حدث هذا من بعض
الطلبة المسلمين الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1993 حيث قرروا -
وكانوا أربعة - مراقبة الهلال بأنفسهم ، فاستأجروا طائرة صغيرة وارتفعوا بها فوق
السحاب وبعد قليل رأوا شيئا ظنوه الهلال ، ونزلوا واتصلوا باللجنة يشهدون أنهم
رأوا الهلال ، وبعد سؤالهم واحدا بعد الآخر عن بعض التفصيلات قال ثلاثة منهم أنهم
غير متأكدين من ذلك ، وأن الرابع هو الذي رآه جيدا ، وعند سؤاله عن شكل الهلال الذي
رآه وعن اتجاهه وعن موقعه من الشمس قال : إن شكل الهلال الذي رآه خط مستقيم !!! .
3. استعمال المقراب ( التلسكوب ) الذي يقرب
الأجرام الموجودة في السماء فتبدو أكبر ، وربما رأى بعضهم هلال بعض الكواكب فيظنه
هلال القمر ، كما حدث ذلك مع تسعة من الطلبة المسلمين في أمريكا أيضا - كما حدثني
أحدهم - حيث رأوا هلالا ، ولما شهدوا بذلك أمام اللجنة التي كانت تضم بعض الفلكيين
وسئلوا عن موقع الهلال الذي شاهدوه ، وعن شكله واتجاهه ومكانه تبين أن الذي شاهدوه
هو هلال الزهرة ، ولذلك يفضل أن لا تزيد قوة تكبير المقراب عن عشرة أو خمس عشرة
مرة [44]
.
4. عدم الخبرة في مراقبة الهلال عند الناس إلا ما
ندر ، وإن كان بعض الناس يظن أن الأمر سهل ولا يحتاج إلى خبرة ، وتنتشر بين هؤلاء
الناس كثير من الأخطاء الشائعة التي يظنون أنها لا يرقى إليها شك ، فلقد وصل الأمر
ببعض من شهد برؤية الهلال أن يقول عندما سئل عن الموعد الذي رأى فيه الهلال إنه
رآه بعد الفجر ، وأجاب آخر بأنه رآه قبل غروب الشمس ، ورأيت من يراقب الهلال يوما
وهو يعتقد أن الهلال يكون غائبا في الأفق ثم يرتفع بعد غروب الشمس ثم يغيب ثانية ،
ولما حاولت إفهامه خطأه أصر وقال إنه متأكد من ذلك !!! .
ويظن البعض أنه يعرف
عمر الهلال بدقة بمجرد النظر إليه في أي يوم من أيام الشهر ، دون معرفة موعد
ولادته ، وهذا لا يمكن لاحتمال وقوع الهلال في أعلى المنزلة أو أدناها ، وإنما
يعرف من موعد الاقتران ، وهذا كمن يحاول معرفة عمر الطفل الصغير الذي عمره أيام من
مجرد النظر إليه دون معرفة تاريخ ولادته
.
ولقد ثبت أن الخطأ
في هذه الشهادات غير قليل ، وأعتقد بعد متابعة لهلالي رمضان وشوال خلال السنوات
الخمس عشرة الأخيرة أن الخطأ كان أكثر من 30% من الحالات .
ومما يدل على الخطأ أو الكذب في الشهادة
ما يلي :
1. حدوث الكسوف في اليوم الأول من الشهر حسب
الشهادة ، فهذا يعد دليلا قاطعا على أن الشهادة غير صحيحة ، كما حدث ذلك في
السعودية سنة 1403هـ ، وتبعتها في ذلك أكثر الدول الإسلامية ، فقد شهد بعضهم برؤية
الهلال مساء الجمعة أي ليلة السبت ، وحدث كسوف للشمس يوم السبت - كما كان ذلك
متوقعا سلفا من الفلكيين - ورئي هذا الكسوف في عدة دول ، فدل هذا بلا أدنى شك على
أن السبت ليس بداية رمضان ، وأن الشهادة لم تكن صحيحة .
والأعجب من ذلك أن
هناك - في السنة نفسها - من شهد بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من رمضان ابتداء
من السبت الذي زعم البعض أنه رأى هلال رمضان ليلته ، أي يوم الثامن والعشرين من
رمضان في الحقيقة ، هناك من شهد أنه رأى هلال شوال وقبلت شهادته ، وتم إعلان عيد
الفطر ، ثم صدرت الفتوى - بعد ذلك - بقضاء يوم ، لأن رمضان لا يمكن أن يكون ثمانية
وعشرين يوما [45]
.
2. أن لا يرى في اليوم الثاني من الشهادة رغم عدم
وجود غيوم تمنع رؤيته ، فإن رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الأول ، أي في ليلته
الثانية تكون في غاية السهولة ، ولا تحتاج رؤيته إلى بحث في الأفق أو تركيز نظر ،
ولذلك يتأخر الإعلان عن ثبوت هلال شهر ذي الحجة يوما كاملا على الأقل للتأكد من
رؤيته بعد غروب اليوم الأول منه ، وهذا أمر جيد ، وإنما تم اللجوء إليه لحدوث بعض
الأخطاء في الشهادة برؤية هلال ذي الحجة في بعض السنوات ، ولأن في الأمر متسعا من
الوقت ، بخلاف شهري رمضان وشوال حيث لا مجال لتأخير الإعلان عن بداية الشهر إلى
اليوم التالي .
ومن العجيب أن ينكر
مجمع الفقه الإسلامي في مكة على رئيس المحاكم الشرعية في قطر قوله : إنكم قبلتم
شهادة من رأى الهلال يوم الاثنين ، ونحن لم نره في قطر لا يوم الاثنين ولا يوم
الثلاثاء ، علما أن الجو كان صافيا ، وقد جاء في الرد أنه لا تشترط رؤيتكم للهلال
لا في اليوم نفسه ولا في اليوم الذي يليه ، ولو كان ذلك دليلا على عدم صحة الرؤية
لأخبرنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم [46]
.
3. أن يكون الفرق في إثبات الشهر بين منطقتين في
العالم أكثر من يوم ، وقد حدث هذا في بعض السنوات كسنة 1409هـ حيث صامت السعودية
والكويت وقطر والبحرين وتونس وغيرها يوم الخميس كلها برؤية السعودية ، وصامت
الأردن ومصر والعراق والجزائر والمغرب وغيرها يوم الجمعة ، وصامت باكستان والهند
وإيران وعُمان يوم السبت [47].
4. أن يشهد الشاهد بشيء مستحيل ، كالحالات التي
سبق ذكرها .
شروط الشاهد
لمعالجة احتمال الخطأ أو الكذب في
الشهادة لا بد من اشتراط بعض الشروط :
1. أن يكون الشاهد عدلا أي مسلما بالغا عاقلا تقيا
ذا مروءة وذلك لضمان عدم كذبه.
2. أن يتم التأكد من ضبطه من خلال مناقشته في
شهادته ، وسؤاله عن المكان والزمان الذي رأى فيه الهلال ، وعن شكل الهلال ، وعن
موقعه من الشمس ، وذلك لضمان عدم وقوعه في الخطأ .
وأما حديث الأعرابي
الذي يستدل به البعض على قبول شهادة الشاهد بمجرد كونه مسلما ودون أن يكون عدلا
ضابطا فهذا نصه : عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ
الْهِلَالَ قَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَتَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ
أَنْ يَصُومُوا غَدًا .
قَالَ أَبو عِيسَى (
الترمذي ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَرَوَى سُفْيَانُ
الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عَنْ
سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُرْسَلًا [48]
.
ولذلك فهو حديث ضعيف
لأمور:
أولها : أن الراجح فيه أنه حديث مرسل ،
فهو مردود عند كثير من العلماء ، ولم تتوفر فيه شروط القبول عند من يقبل المرسل
بشروط .
ثانيها : أنه يتعارض مع النصوص الأخرى
التي تشترط في الشاهد في كل مجالات الشهادة دون استثناء العدالة والضبط .
ثالثها : أن رواية سماك عن عكرمة مضطربة
.
مشكلات الإتمام :
يكون الإتمام عند عدم التمكن من رؤية
الهلال مساء اليوم التاسع والعشرين ، وفي القديم كانت هذه هي أفضل وسيلة - بعد
الرؤية - لإثبات الشهر ، بل هي الوسيلة الوحيدة عند المسلمين الأوائل الذين لم تكن
لهم معرفة بالحساب والتقدير .
وقد كان الإتمام في
العصور الإسلامية الأولى قليلا نسبيا ، لصفاء الجو ، وخبرة الناس ، واهتمامهم في
مراقبة الهلال .
ولكن الإتمام في الدول الكثيرة الغيوم
مشكلة كبيرة ، فكثير من دول العالم يكون الجو غائما صيفا ، وأما في الشتاء فلا تكاد
الشمس تُرى ، فكيف تمكن رؤية الهلال الصغير في الأفق ؟ وهم في هذه الحالة بين أمور
ثلاثة هي :
1. إكمال الشهر لعدم الرؤية ، والمشكلة هنا أن هذا
يتكرر ، وسيضطرون لإتمام عدة شهور متوالية أحيانا ، وهذا سيجعل الخطأ يتراكم شهرا
بعد شهر حتى يصل في بعض الحالات عدة أيام .
2. أن يأخذوا برؤية غيرهم ولا يعتدون باختلاف
المطالع ، وهذا أمر مختلف فيه ، ولا توافق عليه بعض المذاهب ، ولم يرد في هذا
الموضوع إلا حديث واحد هو حديث كريب الذي يدل على وجوب أن يصوم كل بلد حسب المطلع
الخاص به .
3. أن يأخذوا بالتقدير والحساب أخذا بالحديث الصحيح
(إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ
عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ) .
فوائد
التقدير
إذا أنعمنا النظر في التقدير والحساب
وجدناه خاليا من المشكلات التي نجدها في غيره ، بل إننا نجد فيه فوائد متعددة تدل
على أهميته ، ومن أهمها :
1. أنه ينهي الخلاف المستمر المتكرر بين المسلمين
في بداية الأشهر القمرية وبخاصة لشهري رمضان وشوال .
2. يُمَكِّننا من عمل تقويم هجري دقيق للمستقبل ،
ولا يمكن للعالم اليوم أن يعيش وينظم أمور حياته من غير تقويم دقيق للمستقبل يحدد
بداية كل شهر وكل سنة ونهايتهما ، وذلك لتنتظم مواعيد الناس في كل شؤونهم ،
كالتقاويم اللازمة للحكومات والمؤسسات ، وتنتظم مواعيد الطائرات والقطارات وغير
ذلك .
إن من أسباب انتشار
التقويم الميلادي في العالم الإسلامي على حساب التقويم الهجري أن التقويم الميلادي
منضبط ، بينما لا يمكن عمل تقويم هجري للمستقبل ونحن ننتظر بداية كل شهر لنحاول
رؤية الهلال .
3. الحساب هو الذي يُمَكِّن القاضي من مناقشة
الشهود الذين يشهدون برؤية الهلال ، ويستطيع الحكم على الشهادة ، فإن كانت ممكنة
قبلها ، وإن كانت مستحيلة ردها .
ينهي الأخطاء ويقطع الطريق على الكاذبين
مهما كانت دوافعهم .
4. يحل مشكلة اختلاف المطالع ، فإن هذه المشكلة لم
تحل قديما .
5. يساهم في إزالة الفجوة المصطنعة بين الإسلام
والعلوم الطبيعية .
اختلاف
المطالع
لا شك أن مطالع القمر تختلف من منطقة
إلى أخرى كما تختلف مطالع الشمس ، وذلك نظرا لكروية الأرض ، فقد يُرى الهلال في
مكان ولا يرى في آخر ، وهذه حقيقة علمية لا تقبل المناقشة .
ولكن هل لهذا
الاختلاف أثر في الحكم الشرعي ؟ أي هل المطلوب شرعا أن يصوم أهل كل منطقة بحسب
منطقتهم ، أم يصوم الناس في كل العالم في يوم واحد ؟ .
في هذا الموضوع رأيان مشهوران ولن
أناقشهما من الزاوية الفقهية ، بل سأعرض لهما من الزاويتين الحديثية والفلكية .
فمن الناحية
الحديثية لم يرد في هذا الموضوع إلا حديث واحد هو حديث كُرَيْبٍ ( أَنَّ أُمَّ
الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ ،
وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ
فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ثُمَّ ذَكَرَ
الْهِلَالَ فَقَالَ : مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ ؟ فَقُلْتُ : رَأَيْنَاهُ
لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ : فَقَالَ : أَنْتَ رَأَيْتَهُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ وَرَآهُ
النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ : لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ
السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ
: أَوَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ ؟ فَقَالَ : لَا هَكَذَا
أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) [49]
.
فقول ابن عباس :
هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا الحديث له حكم المرفوع ،
كما هو مقرر عند العلماء ، ومع أن الموضوع ليس فيه إلا حديث واحد فقد انقسم
العلماء إلى رأيين :
الرأي الأول :
أن يصوم كل أهل منطقة برؤيتهم ، أخذا بحديث كريب السابق ، وهو يشبه ما يطبق في
الصلاة ، حيث يصلي أهل كل منطقة حسب توقيتهم الخاص .
ولكن أصحاب هذا
الرأي لم يتفقوا على حدود المنطقة التي يلزم الناس فيها الأخذ بالرؤية ، وذلك لعدم
ورود نص شرعي صحيح صريح في المسألة .
فقال بعضهم : هي مسافة القصر من كل
الجهات ، وهم مختلفون في تحديد مسافة القصر.
وقال آخرون : هي البلاد الواقعة على
سمتها أي موازاتها ، وهو كلام يحتمل موازاتها في خطوط الطول ، أو موازاتها في خطوط
العرض .
وفي ضوء عدم وجود نص
شرعي فلا بد من الرجوع إلى المعلومات الفلكية التي تؤكد بلا أدنى شك أن تحديد ذلك
بمسافة القصر لا أساس له من الصحة علميا ، كما تؤكد أن لا علاقة بين مكان الرؤية
وبين المناطق الواقعة على خط العرض نفسه .
والصحيح علميا أن
رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه ، وللبلاد التي
تقع غرب ذلك الخط من باب أولى .
وهذا على عكس الحال
بالنسبة للصلاة ، حيث إن غروب الشمس في بلد يدل على غروبها في البلدان الواقعة على
خط الطول نفسه ، والبلدان الواقعة شرق ذلك الخط ، وأما البلدان الواقعة غرب ذلك
المكان فإن الشمس فيها لم تغب بعد .
الرأي الثاني :
أن الشهر إذا ثبت في مكان ثبت في الأرض كلها ، ولا عبرة باختلاف المطالع [50] .
وهذا الرأي ليس له دليل شرعي يدل عليه ،
ويظن كثير من الناس أنه أسهل في التطبيق ، حيث يصوم المسلمون جميعا في يوم واحد ،
فإن رئي الهلال في مكان ليلة الجمعة فإن يوم الجمعة هو بداية الشهر في العالم كله
.
ولكننا لو أنعمنا
النظر في هذا الرأي لوجدنا ما يلي :
1. أن هذا الرأي يتعارض مع حديث كريب ، ولا يستند
إلى أي نص شرعي .
2. أن المكان الذي يبدأ فيه اليوم أمر اعتباري ،
وليس أمرا شرعيا ، ولا كونيا .
وبيان ذلك أن الأرض
شبه كروية ، وفي كل لحظة تطلع الشمس على جزء من الأرض وتغيب عن جزء آخر ، وهي في
كل لحظة قسمان نصفها ليل ونصفها الآخر نهار، أي إن الأرض ليس لها بداية ولا نهاية
، فأين يبدأ اليوم ؟ هل يبدأ في مكة المكرمة ؟ أم يبدأ في غرينتش أي فيما اعتبروه
خط الطول صفر ؟ أم يبدأ من خط التوقيت الدولي ؟ أم أين ؟ .
إن الجغرافيين قد
رأوا أن يكون ما اصطلح على تسميته بخط التوقيت الدولي هو المكان الذي يبدأ فيه
اليوم ، وهو خط وهمي متعرج غير مستقيم ، وهو الذي اعتبروه خط الطول 180 ، وفي
اللحظة التي تطلع فيها الشمس على هذا الخط الوهمي يكون هذا الشروق شروق شمس الجمعة
مثلا على الجانب الغربي لهذا الخط ، بينما هو شروق شمس السبت على الجانب الآخر من
هذا الخط الوهمي ، فهذا اصطلاح متأخر منهم لا يغير الحكم الشرعي السابق .
3. أن الوقت الذي يبدأ فيه اليوم عند الجغرافيين
هو الساعة الثانية عشرة ليلا ، وهذا أيضا أمر اصطلاحي ، وهو مخالف لبداية اليوم
شرعا ، فبداية اليوم شرعا هو لحظة غروب الشمس وليس منتصف الليل .
ولكل ذلك فإنه لا
مناص من الأخذ بحديث كريب ، وأن الشهر إذا ثبت في مكان فقد دخل الشهر في كل مكان
يقع على خط الطول نفسه ، وفي الأماكن الواقعة غرب تلك المنطقة ، بينما لا يدخل
الشهر في المناطق الواقعة شرقا إلا في اليوم الذي يليه .
وبما أن اليوم
والشهر والسنة تدخل كلها شرعا في لحظة غروب الشمس ، وليس في الساعة الثانية عشرة
ليلا ، والغروب لا يحدث في الكرة الأرضية في وقت واحد بل يحتاج إلى أربع وعشرين
ساعة ، فإن الشهر يدخل في كل الكرة الأرضية خلال أربع وعشرين ساعة ، وبذلك يكون المسلمون جميعا في كل مكان قد
صاموا وأفطروا في اليوم نفسه بالمعنى الشرعي ، وليس بالمعنى الجغرافي .
نتائج
البحث
1. لم ينه الحديث النبوي عن اعتماد التقدير
والحساب في إثبات الشهر ، بل جعل ذلك هو الأصل إن كان في الأمة علماء في الفلك .
2. رؤية الهلال وسيلة من الوسائل لإثبات الشهر
وليست هدفا وغاية .
3. الحساب ليس من علم التنجيم الذي نهى عنه
الإسلام .
4. كان الحساب ظنيا ، ولكنه أصبح منذ زمن طويل قطعيا
.
5. لا دليل يدل على اعتماد الحساب في النفي فقط
دون الإثبات لا شرعيا ولا علميا، ولذلك فالراجح هو اعتماد التقدير القطعي في إثبات
الشهر وفي نفي الشهادة المتعارضة معه .
6. لا تتعارض الرؤية مع الحساب ، وإنما تتعارض بعض
الشهادات مع الحسابات العلمية القطعية .
7. لا تقبل الشهادة بالمستحيل ، ولا بد أن يكون
الشاهد عدلا ضابطا .
8. للشهادة بالرؤية وللإتمام مجموعة من المشكلات
في التطبيق ، بينما نجد للتقدير عددا من الفوائد .
9. الراجح شرعا اعتبار اختلاف المطالع .
10. تختلف بداية اليوم والشهر شرعيا عن بدايته
جغرافيا من حيث الزمان والمكان .
11. تعد الرؤية في بقعة رؤية لكل بقعة تقع على خط
الطول نفسه ، أو تقع غربه ، وبهذا يبدأ المسلون الشهر في كل الكرة الأرضية في يوم
واحد بالمعنى الشرعي .
والحمد
لله رب العالمين
[1]
البخاري ، محمد بن إسماعيل ، الجامع الصحيح ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 1913 ، الطبعة
السلفية .
ومسلم بن الحجاج ، الصحيح ، تحقيق محمد
فؤاد عبد الباقي ، كتاب الصيام ، رقم الحديث 1080 .
[2]
ابن حجر العسقلاني ، أحمد بن علي ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري 4/127 ، مراجعة
محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب ، دار المعرفة ، بيروت ، 1379هـ .
[3]
السيوطي ، جلال الدين ، الديباج على صحيح مسلم 3/185 ، دار ابن عفان ، الخبر ،
السعودية 1996م .
[4] مسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام ، رقم الحديث 1081
، واللفظ له ، والبخاري ، الصحيح ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 1909 .
[5]
السبكي ، تقي الدين علي بن عبد الكافي 1/208 ، بتحقيق حسام الدين القدسي ، دار
الجيل ، بيروت ، ط1 سنة 1992م .
[6]
البخاري ، الصحيح ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 1941 ، ومسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام
، رقم الحديث 1101 .
[7]
السبكي ، الفتاوى 1/215 .
[8]
البخاري ، الصحيح ، كتاب المغازي ، رقم الحديث 4147 ، ومسلم ، الصحيح ، كتاب
الإيمان ، رقم الحديث 71 .
[9]
ابن حجر ، فتح الباري 4/127 .
[10]
النووي ، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج 7/189 ، المطبعة المصرية .
[11]
سورة البقرة 185 .
[12]
البخاري ، الصحيح ، كتاب الإيمان ، رقم الحديث 08 ، ومسلم ، الصحيح ، كتاب الإيمان
، رقم الحديث 16.
[13]
البخاري ، الصحيح ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 1913 ، ومسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام
، رقم الحديث 1080 .
[14]
شاكر ، أحمد ، أوائل الشهور العربية ، مكتبة ابن تيمية .
[15]
البخاري ، الصحيح ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 1900 ، ومسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام
، رقم الحديث 1080 .
[16]
النووي ، المنهاج 7/189 ، وابن حجر ، فتح الباري 4/124 ، والسيوطي ، تنوير الحوالك
شرح موطأ مالك 211 ، المكتبة التجارية الكبرى ، مصر ، 1969م ، والسيوطي ، الديباج
3/185 .
[17]
مسلم ، كتاب الفتن ، رقم الحديث ، 2937 ، والترمذي ، ، كتاب الفتن ، رقم الحديث 2240 بترقيم أحمد
شاكر ، وأبو داود ، كتاب الملاحم ، رقم الحديث ، 4321 بترقيم محيي الدين .
[18]
سورة الرحمن 5 .
[19]
سورة يس 39 -40 .
[20]
صدرت في ذلك كتب تحتوي هذه الجداول الحديثة مثل كتاب : دليل المسلم الفلكي لعماد
عبد العزيز مجاهد ، وقد صدر عن دار حنين - عمان ، ومكتبة الفلاح - الكويت ، وكتاب
زمن الإسلام للدكتور عبد الحميد بن شيكو عميد ومؤسس كلية العلوم بجامعة قسنطينة
بالجزائر 1989م .
[21]
العجيري ، الدكتور صالح ، كيف نحسب حوادث الكسوف والخسوف ، مؤسسة الكويت للتقدم
العلمي والنادي العلمي ، الكويت 1980م .
[22]
ابن سريج هو القاضي أبو العباس احمد بن عمر بن سريج البغدادي ، كان أبرع أصحاب
الشافعي في الفقه وعلم الكلام ، وكان يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني
حتى لقب بالشافعي الصغير ، وهو حامل لواء الشافعية في زمانه ، وقد عده الذهبي
المجدد على رأس الثلاثمائة في الفقه ، عاش سبعا وخمسين سنة ، وتوفي سنة 306 هـ .
انظر تاج الدين السبكي ، عبد الوهاب بن علي ، طبقات الشافعية الكبرى ، 3/21 - 39 ،
دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، وابن قاضي شهبه ، أحمد بن محمد ، طبقات
الشافعية 1/89 ، عالم الكتب ، بيروت ، 1987م .
[23]
ابن حجر ، فتح الباري 4/124 ، والسيوطي تنوير الحوالك 211 .
[24]
هو تاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي ، ولد سنة 727هـ ، لازم الذهبي ، وتولى
القضاء حتى انتهت إليه رئاسة القضاء بالشام فأصبح قاضي القضاة ، وقد امتُحن وأُذي
وسجن وصبر ، له الطبقات الكبرى والوسطى والصغرى ، والقواعد ، وقد شرح مختصر ابن
الحاجب والمنهاج للبيضاوي ، توفي بالطاعون سنة 771هـ ، انظر ابن قاضي شهبه ، طبقات
الشافعية 3/104 .
[25]
السبكي ، الفتاوى 1/209 .
[26]المرجع
السابق 1/ 208 .
[27]
نقلا عن الشيخ أحمد شاكر في كتابه : أوائل الشهور العربية ص 15 .
[28]
الطنطاوي ، علي ، الفتاوى ، ص 222 - 224 ، دار المنارة ، جدة – السعودية ، ط 2 ،
1406 هـ ، 1986 م .
[29]
مطرف بن عبد الله بن الشخير ، ثقة من كبار التابعين ، ولد في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم ، له مناقب كثيرة ، فهو صاحب فضل وورع وعقل وأدب ، وكان على جانب كبير
من الصلابة في الدين ، وكان مستجاب الدعوة ، روى عن أبيه وعثمان وعلي وعمار وعائشة
، وتوفي بعد سنة 87 هـ ، انظر : ابن سعد ، محمد بن سعد ، الطبقات الكبرى 7/141 ،
دار صادر ، بيروت ، وابن حجر ، أحمد بن علي ، الإصابة في تمييز الصحابة 6/260 ،
دار الجيل ، بيروت ، 1992م .
[30]
ابن حجر ، فتح الباري ، 4/124 ، وابن قتيبة هو عبد الله بن مسلم ، ولد سنة 213 هـ
وولي القضاء واشتغل بالتدريس ، واعتبر لسان أهل السنة وحامل لواء المنافحة عنها في
وجه الفلاسفة والملاحدة ، له من المؤلفات : تأويل مختلف الحديث وعيون الأخبار ،
توفي سنة 276هـ ، انظر مقدمة الشيخ إسماعيل الأسعردي لكتاب تأويل مختلف الحديث ،
دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1985م .
[31]
السبكي ، الفتاوى 1/215 .
[32]
السبكي ، الفتاوى 1/ 218 .
[33]
شاكر ، أحمد ، أوائل الشهور العربية ، ص 15 .
[34]
نقلا عن المرجع الذي يليه ص 154 .
[35]
القرضاوي ، يوسف ، كيف نتعامل مع السنة النبوية ، ص 146 ، دار الوفاء ، المنصورة -
مصر ، ط3 ، سنة 1990م .
[36]
العقاد ، أنور عبد الغني ، الجغرافيا الفلكية ص 150 ، دار المريخ ، الرياض 1983م .
[37]
عماد مجاهد ، دليل المسلم الفلكي ، 47 .
[38]
العجيري ، كيف نحسب حوادث الكسوف والخسوف 17 .
[39]
عماد مجاهد ، دليل المسلم الفلكي 76 - 213 .
[40]
سعد شعبان ، أعماق الكون 167 ، مكتبة الفلاح ، الكويت ، ط3 ، 1978 م ، والعقاد ،
الجغرافيا الفلكية 147 .
[41]
عماد مجاهد ، دليل المسلم الفلكي 66 .
[42]
المداولات في المؤتمرات التي شاركت فيها ، فقد كنت عضو اللجنة التحضيرية للمؤتمر
الفلكي الأول الذي عقد في الجامعة الأردنية سنة 1992م ، وعضو اللجنة العلمية
لمؤتمر علوم الفضاء والفلك المنعقد في الجامعة الأردنية سنة 94 ، وشاركت في مؤتمر
الفلك الشرعي في وزارة الأوقاف الأردنية سنة 95 .
[43]
ابن حجر ، فتح الباري 4/124 .
[44]
عماد مجاهد ، دليل المسلم الفلكي ، 68 .
[45]
الطنطاوي ، علي ، الفتاوى ، ص 225 .
[46]
قرارات مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة .
[47]
القرضاوي ، يوسف ، كيف نتعامل مع السنة النبوية ، ص 146 .
[48]
الترمذي ، الجامع ، كتاب الصوم ، رقم الحديث 691 .
[49]
مسلم ، الصحيح ، كتاب الصيام ، رقم الحديث 1087 .
[50]
الصنعاني ، محمد بن إسماعيل ، سبل السلام 2/ 151 ، دار الكتب العلمية ، بيروت .